الحشرات جند من أجناد الله

تاريخ النشر: 17/11/15 | 12:30

حقـق الإنسان في القرن الأخير تقدما علميا باهرا وتفوقا تكنولوجيا ظاهرا، مكنه من بسط سلطانه وفرض سيطرته على كافة أرجاء المعمورة واستخراج ثرواتها الظاهرة والكامنة ثم استغلالها لتحقيق أمنه ورفاهيته، فها هو ذا يرسل السفن الفضائية والأقمار الاصطناعية، التى تجوب الكون، تسبر أغواره، وتستكشف أسراره، ها هو ذا يجلس متكئا على أريكته في قعر بيته، وبلمسة من أصبعه على جهاز التحكم عن بعد يرى ما يشاء، ويسمع ويتحدث ويتواصل مع من يشاء، وينعم بالدفء في البرد القارص وينعم بالنسيم البارد في الحر القائظ، ويغسل ثيابه ويفتح أبوابه…. وعلى الرغم من نجاح الإنسان الباهر في ترويض الوحوش الكاسرة والقضاء على الكثير من الأمراض الفتاكة، على الرغم من كل ذلك وقف هذا الإنسان بلا حول ولا قوة أمام الحشرات. كائنات صغيرة الحجم، لا تعرف الكسل ولا يصيبها الملل أو الوهن، تجوب العالم، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، دون أن تعترف بحدود إقليمية ولا تعبأ بموانع أو سدود أو جنسيات، منها ما يقطن الفيافي والقفار ومنها ما يمخر عباب عذب الأنهار وأجاج البحار.
ومنها ما يمتطي ظهر الريح متى شاء وأنى شاء، ومنها ما يدب على سطح الأرض، ومنها ما يلج في باطنها، تجدها في السهول المنبسطة وعلى قمم الجبال الشاهقة وفى باطن الكهوف المظلمة، منها ما يسكن الحدائق الغناء بين الورود والرياحين ومنها ما يعيش في القبور المظلمة يقتات على جيف الإنسان والحيوان، ومنها ما يعيش في أنفاق داخل النباتات والأشجار ومنها ما يستطيع العيش في المناطق الشديدة البرودة، فقد وجد العلماء أكثر من 300 نوع منها في القطب الشمالي، ومنها ما يعيش في صحراء قاحلة مثل بعض مناطق الصحراء الليبية التي قد تجاوز درجة الحرارة فيها 60 درجة مئوية، كما وجد العديد من أنواعها في عيون المياه الحارة، بل وبرك النفط!! بل ووجدت منها بعض الأنواع التي تعيش بصفة دائمة على سطح الماء في المحيطات.
لقد فاقت تلك الكائنات جميع المخلوقات في عدد أنواعها، إذ فاقت أنواعها المليون، وهي تمثل 76% من المجموع الكلي للملكة الحيوانية و51% من جميع أنواع الكائنات الحية. توشك أن تنظر إلى السماء وتخاطب الماء الذي في السحاب قائلة له: شرق أو غرب فإن لي من الخير الذي تفيض به نصيب. ولاشك أن هذا النجاح الساحق لهذه المجموعة من الكائنات وانتشارها الكبير له أسباب عديدة، فهي صغيرة الحجم، قليل من الغذاء يكفيها وشق صغير في الأرض يأويها، لها هيكل أقوى من العظام وعضلات مفتولة تستطيع بها أن تحمل أو تجر عشرات أضعاف وزنها، فهى بلا جدال بطلة العالم في حمل الأثقال وجر الأحمال، وتقفز للأعلى والأمام عشرات بل مئات أضعاف طولها، فهي بلا غرو بطلة العالم في الوثب العالي والطويل. فإذا كان بطل العالم في الوثب العالي يقفز لارتفاع لا يتجاوز مثلي طوله، فإن البرغوث الذي يبلغ طول رجله 1.3 مم يقفز لارتفاع قد يصل إلى 21 سم ولمسافة قد تصل إلى 34 سم، وإذا أراد الإنسان أن يجارى هذا البرغوث في البطولة فعليه أن يقفز لارتفاع 450 قدم ولمسافة 700 قدم، وأنى له أن يفعل. وتستطيع الخنفساء أن تسحب ثقلا يعادل ثقل جسمها 120 مرة، ولكي يبلغ إنسانا يزن 75 كيلوجرام شأوها فعليه أن يسحب ثقلا يبلغ 9 أطنان، وأنى له ذلك. لقد وهب الله هذه الكائنات قدرة فائقة على التكاثر وتحمل المشاق والصعاب…. وللكثير منها القدرة على الطيران الذي يساعدها في البحث عن الغذاء والهرب من الأعداء، ويمكنها من الوصول إلى الجنس الآخر في الوقت والمكان المناسب لإتمام التزاوج كما يساعدها في إيجاد المكان المناسب لوضع البيض. وتتميز هذه الكائنات بعناد شديد يمكنها دائما من الحصول على ما تريد وقتما تريد، والذباب خير مثال على ذلك، فقد اشتق اسمه من كونه إذا ذب عن الشئ آب. وللحشرات قدرة كبيرة على التخفي والمحاكاة، فبعضها يتلون بلون البيئة التي يعيش فيها، فلا يمكن للأعداء تمييزه عنها، وبعضها يتلون بألوان بعض الحشرات السامة، فيفزع منها الأعداء ويرهبون جنابها.

1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة