روائع من التاريخ (01)

تاريخ النشر: 07/11/15 | 9:24

فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.. [الأعراف:176] إن التاريخ ليس مجرد أقاصيص تحكى، ولا هو مجرد تسجيل للوقائع والأحداث.. إنما يدرس للعبرة وللتربية.. تربية الأجيال.. (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وكل أمة من الامم تعتبر درس التاريخ من دروس التربية للأمة، فتصوغة بحيث يؤدي مهمة التربية في حياتنا..

مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ..!!
لا شك أن كل واحد منا يعرف حق المعرفة أن الموت لا يفرق بين كبير وصغير، ولا غني وفقير، ولا عبد وأمير…
هارون الرشيد: ذاك الذي ملك الأرض وملأها جنوداً، ذاك الذي كان يرفع رأسه فيقول للسحابة: أمطري في الهند أو الصين، أو حيث شئت، فوالله ما تمطرين في الأرض إلا وهي تحت ملكي.
هارون الرشيد خرج يوماً في رحلة صيد، فمر برجل يقال له بهلول.
قال: يا أمير المؤمنين، أين آباؤك وأجدادك، من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيك؟ قال هارون الرشيد: ماتوا.
قال: فأين قصورهم؟
قال: تلك قصورهم.
قال: وأين قبورهم؟
قال: هذه قبورهم.
فقال بهلول: تلك قصورهم، وهذه قبورهم، فما نفعتهم قصورهم في قبورهم؟
قال: صدقت، زدني يا بهلول.
قال: أما قصورك في الدنيا فواسعة، فليت قبرك بعد الموت يتسع.
فبكى هارون الرشيد وقال: زدني يا بهلول.
فقال: يا أمير المؤمنين، هب أنك ملكت كنوز كسرى، وعمرت السنين، فكان ماذا؟ أليس القبر غاية كل حي، وتسأل بعده عن كل شيء؟. قال: بلى.
ثم رجع هارون الرشيد وانطرح على فراشه مريضاً، فلما يئس الأطباء من شفائه، وأحس بدنو أجله، ولم تمض أيام حتى نزل به الموت، فلما حضرته الوفاة، وعاين السكرات، صاح بقواده وحجابه: اجمعوا جيوشي، فجاءوا بهم، بسيوفهم ودروعهم، لا يكاد يحصى عددهم إلا الله، كلهم تحت قيادته وأمره، فلما رآهم بكى. ثم قال: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه.
قال: احضروا لي أكفاناً.. فأحضروا له. فنظر إلى القبر وقال: (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) [الحاقة:28-29]. ثم لم يزل يبكي حتى مات. نعم ماااااات هذا الخليفة الذي ملك الدنيا مات وأودع في حفرة ضيقة، لم يصاحبه فيها وزراؤه.. لم يدفنوا معه طعاماً.. ولم يفرشوا له فراشاً، وما أغنى عنه ملكه وماله.
فانتبه يا من غرتك الدنيا ولم تعد ترى فيها من الجمال إلا المال والجاه، انتبه يا من تعادي اخوتك من أجل المال والبيوت والأراضي، انتبه يا آكل الربا لما تأكل وتوبوا إلى الله قبل أن تقولوا: (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) [الحاقة:28-29].
واعلموا انه: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [الحديد:20].
وقد صدق من قال:
النفسُ تبكي على الدنيا وقد علمت
أنّ السعادة فيها ترك ما فيها

لا دارٌ للمرءِ بعد الموت يسكُنها
إلّا التي كانَ قبل الموتِ بانيها

فإن بناها بخير طاب مسكنُه
وإن بناها بشر خاب بانيها
محمود عبد السلام ياسين

m7mod3bdalslam

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة