تدرج الشيطان في غواية الإنسان

تاريخ النشر: 28/10/15 | 3:17

صارت مهمة الشيطان الوحيدة التي نذر نفسه لها منذ أن عصى الله سبحانه وتعالى بعد أن أمره بالسجود لأبو البشر آدم عليه السلام فأصبح رجيمًا مطرودًا، أن ينتقم من بني آدم أجمعين بغوايتهم وتضليلهم وتزين الشهوات لهم، ليصبحوا هم كذلك مطرودين بعيدين عن الله سبحانه ليلاقوا نفس مصير الشيطان في الدنيا والآخرة.
وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بالخطة التي وضعها الشيطان الرجيم لغواية بني آدام، فيقول سبحانه وتعالى مخبرًا عما تعودنا به الشيطان: {قالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـاكِرِينَ}، وقال كذلك: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا}، وقال: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ}.
فقد أخذ الشيطان على نفسه عهدًا أن يقعد لبني آدم متربصًا لهم ليضلهم عن صراط الله المستقيم، فيزين لهم الكفر والشهوات والفسوق والعصيان، فهو يحاصرهم في كل زمان ومكان .. ولكن .. مع ذلك لا يستطيع الشيطان أن يغوي ويضل من تمسك بصراط الله المستقيم وأخلص العبودية لله، لأن من أخلص العبودية لله أصبح في معيته سبحانه، وصار من أولياءه الذين يحيطهم الله بعنايته فيكشف لهم زيغ الشيطان، يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}، وقال تعالى: {إن وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}.
وللشيطان طريقة يتدرج بها في غواية بني آدم، فهو لعنه الله يسعى لإلحاق أي خسارة ممكنة بالإنسان ليبعده عن ربه، فيبدأ بتزيين الكفر له ليقعهم فيه، فإن لم يستطع يصدهم عن طاعة الله، فإن لم يجد لذلك سبيلًا أفسد عليهم الطاعات بشتى الطرق برياء أو عجب أو كبر أو غيرها، حتى تصبح أعمال الإنسان الصالحة هباءًا منثورًا.
يقول حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: “إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك ؟! فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول (يعني الحبل الطويل الذي يربط أحد طرفيه في وتد أو غيره، والطرف الآخر في قد الفرس ليدور فيه، ويرعى ولا يهرب بعيدًا). فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال, فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال؟! قال: فعصاه فجاهد: فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يدخل الجنة، ومن قتل كان حقاً على الله أن يدخل الجنة”.
فهكذا يتدرج الشيطان في غواية بني آدم ليبتعدوا عن صراط الله المستقيم، ويتبعوا خطوات الشيطان، وذلك لا يكون إلا بسبب الابتعاد عن معية الله بكثرة المعاصي وعدم المداومة على التوبة، والانغماس في الشهوات التي تطمس قلوب العباد، وتجعلها قلوبًا صدئه لا تستقبل أنوار الطاعات.

4

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة