تركيا الضائعة بين الشرق والغرب تحتاج لديمقراطية حديثة

تاريخ النشر: 04/06/13 | 20:40

رد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بفظاظة على متظاهرين كانوا يحتجون على قسوة الحكومة، حتى أن مراقبين رأوا في الرد تفسيرًا مباشرًا لسبب الاحتجاجات المتنامية.

ويكمن وراء الاضطرابات سؤال أكبر بكثير أثارته في السنوات الأخيرة سياسة حزب العدالة والتنمية بزعامة اردوغان، يتعلق بموقع تركيا في العالم، بحسب رؤية اردوغان.

ففي زمن ليس ببعيد، كانت انقرة ترنو بأنظارها صوب الغرب، ولكنها اتجهت الآن نحو الشرق. ورد رئيس الوزراء التركي على الاحتجاجات بغضب عارم فاق غضب الذين اعتصموا في ميدان تقسيم وسط اسطنبول ومدن تركية اخرى.

إذ وُصف المتظاهرون بأنهم متطرفون ولصوص، ونُعت الاتراك الذين يتعاطون الكحول بأنهم سكيرون مدمنون، وسُمي تويتر بأنه لعنة على المجتمع.

اتهم اردوغان حزب الشعب الجمهوري، الذي يعتبر نفسه وريث التقاليد العلمانية لمؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال اتاتورك، بإثارة القلاقل بسبب هزائمه المتعاقبة في صناديق الاقتراع.

وعدا فظاظة الرد بقنابل الغاز المسيل للدموع وقوات الشرطة، كانت هذه الأوصاف والنعوت خير دليل على نزعة التسلط التي نزل المتظاهرون إلى الشوارع والساحات العامة للاحتجاج عليها. فإن اردوغان فاز في ثلاثة انتخابات، وبعد اصابته بمرض الاعتداد بالنفس الذي يأتي من عشر سنوات في الحكم، تحرك وكأن هذا السجل يحصنه ضد المحاسبة، ويبيح له تجاوز الحدود المرسومة في اطار الديمقراطية التركية، على حد تعبير صحيفة فايننشيال تايمز.

ويلاحظ مراقبون أن تململ الاتراك كان يكتسب زخمًا منذ فترة، مشيرين إلى أن التضييق على الصحافة واعتقال الخصوم السياسيين وبوادر أسلمة متزايدة في السياسة الداخلية وشكوك اوساط واسعة بأن أردوغان لا يرى نهاية لسلطته، عوامل تضافرت كلها لتفجير الاحتجاجات.

من الأسرار المكشوفة منذ زمن طويل أن رئيس الوزراء يطمح في الانتقال من موقع رئاسة الحكومة إلى منصب رئاسة الجمهورية بسلطات واسعة، ويريد تعديل الدستور بما يتيح له هذا الانتقال.

ويثير هذا الطموح قلقًا تتعدى دائرته الخصوم السياسيين لتشمل مكتب الرئيس الحالي عبد الله غُل، كما تنقل صحيفة فايننشيال تايمز عن مصادر عليمة.

ولا مفر من ملاحظة المفارقة في استنكار اردوغان لحركة الاحتجاج. فبعد تردد في بداية انتفاضات الربيع العربي، طرحت الحكومة التركية نفسها نصيرة الحرية في الشرق الأوسط، علمًا أن مواقع التواصل الاجتماعي التي يندد بها اردوغان اليوم قامت بدور متميز في تعبئة المعارضة ضد الأنظمة الاستبدادية في المنطقة.

وأقام حزب العدالة والتنمية علاقات وثيقة مع جماعة الاخوان المسلمين الذين ينتمي اليهم الرئيس المصري محمد مرسي، فيما عمل وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو على تسويق الحزب بوصفه نموذجًا يُقتدى للجمع بين البرنامج الاسلامي والبرنامج الديمقراطي.

وتصدرت تركيا الضغوط الدولية على نظام بشار الأسد الدموي، مقدمة دعمها المادي والسياسي والمعنوي لقوى المعارضة التي تقاتل ضده.

ولكن اردوغان اخطأ في الحساب عندمت توقع نهاية سريعة للأسد، واستهان بحجم القوات التي ما زالت موالية له، واخطأ مرة أخرى عندما بالغ في تقدير استعداد الولايات المتحدة للتدخل.

وإذ سعى اردوغان إلى تصوير تركيا على انها القوة الاقليمية القائدة في المنطقة، فإنه أثار اسئلة أكبر عن اتجاهها الاستراتيجي، لا سيما أن تركيا عضو في حلف شمالي الأطلسي ومرشحة لعضوية الاتحاد الاوروبي، وتساؤلات عن ثبات التزامه بالحفاظ على دولة اتاتورك العلمانية.

وكانت السنوات الأولى من حكم حزب العدالة والتنمية شهدت توجه تركيا نحو الغرب. وأبدى اردوغان استعدادًا كبيرًا لتنفيذ الاصلاحات الديمقراطية والقضائية المطلوبة لفتح باب المفاوضات حول عضوية تركيا في الاتحاد الاوروبي.

وتعامل بالحزم اللازم لتحجيم الجيش الذي ظل فترة طويلة يجهض مسيرة الديمقراطية بانقلاباته. لكن معارضة دول اوروبية كبيرة مثل فرنسا والمانيا لانضمام تركيا إلى الاتحاد الاوروبي، والأزمة المالية في منطقة اليورو، وازدهار تركيا الاقتصادي نفسه، كلها عوامل تكفلت بصب ماء بارد على حماسة تركيا للتوجه نحو اوروبا، ودفعت حزب العدالة والتنمية إلى اعادة تصوير تركيا على انها جسر لا غنى عنه بين الشرق والغرب، وقوة محورية في منطقة استراتيجية.

وكان الهدف من شعار داود اوغلو "صفر مشاكل مع الجيران" تكريس هذا الثقل الاقليمي لبلده. لكن الاحداث تجاوزت هذه الاستراتيجية، وبدأت تركيا تبدو اسلامية اكثر منها ديمقراطية، على حد وصف صحيفة فايننشيال تايمز.

كما أن تركيا ليست مصر أو تونس أو ليبيا أو سوريا. فأردوغان فاز بثلاث ولايات متتالية في انتخابات ديمقراطية، لكنه رغم ذلك لم يستوعب على ما يبدو أن جوهر الديمقراطية هو التعددية. لدى المحتجين الذين اعتصموا في الساحات العامة اسباب عديدة للتذمر والغضب، لكن الرسالة الموجهة إلى رئيس الوزراء تبدو واضحة بما فيه الكفاية، تقول إن تركيا الحديثة تحتاج إلى ديمقراطية حديثة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة