ريحانة

تاريخ النشر: 09/11/15 | 12:07

شعرتْ ريحانةٌُ بصُداعٍٍ وهي تجلسُ على مقعدِهَا في صَفِّها في المدرَسة.. تَغيَّرَ لونُهَا فأحْنَتْ رأسَهَا بهدُوءٍ وأسْندَتْهُ على طَاولَتِها الصّغِيرَةَ..
دخلت المعلمةُ الصَّفَ وراحتْ تتأمَّلُ طالبَاتِها الصَّغِيراتِ اللاتِي كُنَّ كالورودِ والرياحين الجَميلةِ في البُسْتان.. تبسمتْ لهُنَّ وحيَّتهُنَّ.. ولكنَّها عنْدَمَا رأتْ ريحَانَة تَغُطُّ في نَوْمٍ عَميقٍ على طَاولتِها عبَسَتْ وصاحَتْ بِهَا..
– رَيْحانَة.. رَيْحَانَة..
رفعَتْ الطفلَةُ رأسَهَا بِبطءٍ ثمَّ قالتْ: أنَا آسفةٌ يَا مُعَلّمتِي.. لا أعرفُ كيفَ نِمْت؟!!
هزَّتِ المعَلِّمةُ رأسَهَا وقالتْ: هذهِ ليست المرَّةُ الأولى يَا ابنتي.. لماذَا أنتِ هَكذا دائماً.. ألا تنامينَ في البيت؟!!
قالت ريْحانةُ: بلى يا معلمتي..
المعلِّمَةُ: ولماذَا تنامين في الصف إذاً؟!!
ريحَانة: لا أدري..
ضحكتْ بعضُ التِّلميذات، فأمَرتْهٌنَّ المُعلِّمةُ بالسُّكوتِ والمَحافظةِ على الهدوء.. ثمَّ عادتْ إلى ريْحَانة وقالتْ لهَا: لا تَعُودي لمثْلِها يَا رَيْحانَة.. أفَهِمْتِ..؟!
أجَابَتْ ريْحانةُ: حسناً يا مُعَلِّمَتي..
وتحاولُ ريحانةُ أنْ تقاومَ الصُّداعَ الشديدَ.. وتمضِي المعلمةُ في إلقاءِ دَرْسِهَا.. وتُلاحظُ شرودَ ريْحانةٍ وعَدَمَ انْتِباهِها.. تُوجِّهُ لهَا الأسئلةَ فلا تَسْتطيعُ الإجَابَة..
المُعلِّمة: ماذَا أصابكِ يا رَيْحَانَة..؟!
تنظرُ إلى المعلِّمَةِ دونَ أنْ تستطيعَ الكلام..
المُعلِّمة: لا حولَ ولا قوّةَ إلا بالله..
ويُقرعُ الجرسُ وتسرعُ الطالباتُ للخروجِ إلى ساحةِ المدرسَةِ للفُسْحةِ..وتظلُّ ريحانةٌ جالسةً على مقعَدِهَا الصَّغيرِ.. تُشيرُ المعلمَةُ إليْهَا بالخُروجِ لتناوُلِ فُطورِهَا معَ الطّالباتِ في السَّاحةِ..
تنهضُ ريحانةٌ ببطءٍ وتشعرُ برَجْفةٍ في سَاقَيْها.. تَستندُ إلى الطاولةِ.. تميلُ إلى الجِدارِ.. تسقطُ حقيبتُها الصَّغيرةُ مِنْ يَدِهَا.. تدورُ عيناهَا وكأنَّها وسطَ ضبابٍ كثيفٍ.. تَهْوي على الأرض فاقدةً وَعْيَهَا..
تسْرعُ المعلمةُ نَحْوهَا.. تصرخُ على الطالباتِ ليُسرعنَ إلى الإدارةِ لاستدعاءِ الطَّبيبةِ..
المُعلِّمة: ريْحَانَة.. ريْحَانَة..
تَهُزُّها وتحاولُ إيقَاظهَا.. تأتي إحدى المعَلِّماتِ بالماءِ.. ترشُّ بعضَهُ على وجْهِ ريْحَانَة.. تضعُ على أنفِهَا قُطنةً مُبلَّلةً بالعِطْر.. تفتحُ ريحانةٌ عَيْنَيْها فترَى المُعلِّمات وقدْ أحَطْنَ بهَا وهُنَّ خائِفَاتٌ عليْهَا..
المُعلِّمة: ما بكِ يا ابنتي؟!! ماذَا أصَابَكِ؟!
ريْحانَة: إنَّني جَائِعَة..
المُعلِّمةُ: ألمْ تتنَاولِي طَعامَ إفطارِك يا ابنتي؟!
ريْحانَة: كلاّ.. لمْ أتناول الطَّعامَ منذُ صباحِ الأمْسِ..
تمسحُ المعلّمة دمُوعَهَا ثُمّ تبحثُ في حقيبتِهَا عن طَعامٍ رُبّما وضَعَتْه لهَا أمّها في حقِيبَتِهَا..
المعلمَةُ: لا شيءَ في الحَقِيبة.. ألمْ تُحضرِي شيئاً مِنَ البَيْت؟!
ريْحانة: كلاّ.. فلا يُوجدُ لديْنا طعامٌ في البيت !!
المُعلِّمةُ: أليسَ معكِ نقودٌ لشراءِ الطّعام؟
ريْحانة: كلاّ.. فليْسَ معَ والدِي أيَّ نُقودٍ.. إنّهُ فقير الحَال..
شعَرتْ المُعلّماتُ بالحُزنِ الشَّديدِ لحالةِ ريْحانة.. سالتْ دُمُوعُهُنَّ حسرةً عليْها.. أسْرعْنَ لإحْضارِ الطَّعامِ لهَا..
إحْدى المُعلِّمات: تفضَّلي يَا ابْنَتي.. هَذَا كُلّه لَكِ..
نظرتْ إليهِ ريحانةٌ بِسرورٍ.. مدَّت يَدهَا وجعَلتْ تأكلُ منهُ وهيَ تمْسَحُ عنْ عينيْهَا دُموعَ الأسَى.. كانَ الفرحُ يغمرُ المعلِّمَاتِ وهُنَّ يَنظُرْنَ إليْهَا فرحةً مَسْرُورَة..
فَتحَتْ حقِيبتَهَا ووضَعَتْ بعضَ الطّعامِ فِيهَا ونَظرتْ إلى المُعَلِّماتِ حوْلَهَا.. وقالتْ: إنَّهُ لأمِّي وأبِي.. إنَّهُمَا جائِعانِ أيْضاً..

1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة