عليّ الطلاق بالثلاث…

تاريخ النشر: 22/09/15 | 11:24

كان أبو خالد يجلس في شرفته المطلة على الشارع، لمح صديقه أبا يحيى قادما من بعيد أخذ يراقب خطواته حتى اقترب من بيته فناداه قائلا : تفضل يا أبا يحيى لنحتسي القهوة سويا ، اعتذر أبو يحيى لأن لديه موعدا مهما ولا يريد أن يتأخر ، ألح أبو خالد بالدعوة ولكن أبا يحيى اعتذر مرة أخرى فما كان من أبي خالد إلا أن قال : علي الطلاق بالثلاث لتدخل وتحتس القهوة عندنا ، إلا أن أبا يحيى اعتذر له مرة أخرى حتى لا يفوته الموعد ومضى الرجل في سبيله .

تقول إحدى الزوجات : منذ تزوجت زوجي قبل أكثر من عشر سنوات وكلمة : علي الطلاق لا تبرح لسانه وهو لا يتفوه بها أمامي فقط بل يتفوه بها مع كل من يتعامل ويتواصل معهم فهو كما يقولون : ” على الطالعة والنازلة يقول : علي الطلاق ”

وأخرى تقول : زوجي لا يحلف إلا بالطلاق ولكنه يفعل عكس ما حلف من أجله مثلا : أطلب منه الذهاب إلى مكان ما فيرفض ، أو أطلب منه شراء شيء ما من السوق فيمتنع وعندما ألح عليه بالطلب يثور ويغضب ويحلف بالطلاق أنه لن يفعل ، وعندما تهدأ ثورة عصبيته يندم على غضبه ويتراجع عن كلامه ويسمح لي بالذهاب ويشتري لي الحاجة التي طلبتها منه .

علي الطلاق … سيمفونية لا يفتأ يرددها العديد من الأزواج ، وكلمة استقرت على ألسنتهم وأصبحت دارجة في كلامهم ،لا يكاد الواحد منهم يستقر في مجلس إلا ويتلفظ بها عشرات المرات … علي الطلاق لأفعل كذا …علي الطلاق لأعمل كذا …علي الطلاق أن لم يحدث كذا لا اسمي نفسي أبا فلان …وهناك من يتفوه بها مرجلة وكبرياء وكأنه بهذه الكلمة لبس ثياب الرجولة .

هذه العبارة تلقى على مسامع الزوجة المسكينة عشرات المرات في اليوم وهي لا تدري ما الحكم الشرعي المترتب عليها بل في كثير من الأحيان لا تكلف نفسها عناء السؤال لمعرفة هذا الحكم ، ومن كثرة سماعها لهذه الكلمة فقد فقدت تأثيرها فلم تعد تشعر بوقعها .

كذلك الأمر قد نجد الزوج في بعض الحالات يلقي على مسامع زوجته هذه العبارة بصورة شبه يومية وإذا عوتب على ذلك قال هذا من لغو الكلام وليس في نيتي الطلاق ويستمر في علاقته الزوجية الطبيعية مع الزوجة وكأن شيئا لم يكن وبدون أن يكلف نفسه هو الآخر عناء السؤال والاستفسار عن هذه المسالة الحيوية ربما ذلك عن جهالة ، ربما عن تجاهل أو ربما هي اللامبالاة واللامسؤولية .

د. حسين وليد:
ينبغي الحذر من “الحلف” بالطلاق. واستشراء هذه الظاهرة بين الأزواج يدل على استخفاف بعقد الزواج وعدم وعي بقيمة هذا الرباط. ولا يجوز للمسلم أن يجعل من الطلاق يمينا يحلف به على فعل هذا أو ترك ذاك أو يهدد به زوجته، إن فعلت كذا فهي طالق.

إشراقة التقت الدكتور حسين وليد عضو المجلس الإسلامي للإفتاء والمحاضر في كلية الدعوة والعلوم الإسلامية لتدور رحى الحوار معه حول ظاهرة كثرة الحلف بالطلاق المستشرية في مجتمعنا :

لماذا يلجأ العديد من الأزواج للحلف بالطلاق ؟

– من الأسباب الداعية لحلف الأزواج بالطلاق، تقليد العادة، فقد جرى في أعرافنا السيئة مثل هذا الحلف على الألسنة، فالأب يحلف بالطلاق في البيت أمام أولاده والبائع في السوق وسائق التكسي….فشب الناس على ذلك واعتادوا على مثل هذه الألفاظ دون أن يتنبهوا لأبعادها الشرعية.

ومن الأسباب الداعية أيضا للحلف بالطلاق تأكيد الشيء المحلوف عليه، فالزواج من أعز ما يملكه الرجل، فإذا أراد أن يؤكد أمرا أو يدفعه لا سيما في الخصومات والمشاكل نراه يحلف بالطلاق.

والأغرب أن الحلف بالطلاق قد يكون على أتفه الأمور، ومن ذلك أن يحلف الزوج على صديقه بالطلاق إذا لم يجب دعوته إلى طعام، أو يحلف على العامل بالطلاق لأجل فعل شيء معين … وغير هذا من توافه الأمور.

وما أصل هذا القسم ؟ وما الحكم الشرعي لهذا القسم ؟

– الحلف بغير الله منكر، والنبي [ قال:”من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت”. وقال عليه الصلاة والسلام:”من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك”. وقال عليه الصلاة والسلام:”من حلف بالأمانة فليس منا”. وقال:”لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون”.

يظهر من أقواله [ السابقة منع الحلف بغير الله كائناً من كان، فلا يجوز الحلف بالنبي [ ولا بالكعبة ولا بالأمانة ولا بحياة فلان ولا بشرف فلان. وقد نقل ابن عبد البر رحمه الله إجماع أهل العلم على ذلك.

أما قول الرجل “علي الطلاق” فليس من الحلف في الحقيقة، وإنما سماه بعض الفقهاء حلفاً نظرا للاشتراك مع اليمين في الحث أو المنع على الفعل، مثل لو قال الرجل: والله ما أقوم، أو والله ما أكلم فلاناً فهذا يسمى يميناً، فإذا قال: علي الطلاق ما أقوم، أو علي الطلاق ما أكلم فلاناً. فهذا يسمى يميناً من هذه الحيثية، يعني من جهة ما يتضمنه من الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، سمي يميناً لهذا المعنى، وليس فيه الحلف بغير الله، فهو ما قال: بالطلاق ما أفعل كذا، أو بالطلاق لا أكلم فلاناً، فهذا لا يجوز.

ما مصير العلاقة الزوجية التي يكثر فيها الحلف بالطلاق؟ وذكر أهل العلم أن الذي يكثر الحلف بالطلاق لا يؤمن بقاء زوجته معه لأنها قد تكون في زنا من كثرة حلفه، ما رأي الشرع في هذا القول ؟
– يقول تعالى:{وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}النساء:21. فالزواج مثياق غليظ ورباط عظيم، ينبغي للمرء أن يحفظه معنى ولفظا، معنى من خلال العشرة الطيبة والسكن والمودة، ولفظا بتجنب الألفاظ التي تحله وتؤثر به إلا إذا كان الزوج مريدا لحل عقد النكاح فعلا والأسباب داعية لذلك. وقد حذرنا النبي [ من التساهل بألفاظ الطلاق. فقال:”ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة”(رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه. وهو صحيح).

ومعنى الحديث أنه لو طلق أو نكح أو راجع وقال: كنت فيه لاعباً هازلاً لا ينفعه قوله هذا، قال الخطابي: اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان الإنسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به ولا ينفعه أن يقول: كنت لاعباً أو هازلاً أو لم أنوه طلاقاً. أو ما أشبه ذلك من الأمور. روى الطبراني بسند حسن عن فضالة بن عبيد:”ثلاث لا يجوز اللعب فيهن: الطلاق والنكاح والعتق”.

والنكاح هو أن يقول الولي: زوجتك فلانة. ويقول الزوج: قبلت. والطلاق أن يقول الزوج لزوجته أنت طالق. والرجعة: هي عود المطلقة إلى العصمة جبرا عنها خلال العدة في الطلقة الأولى والثانية. والعتق: أن يقول السيد للعبد أنت حر أو نحو ذلك ولا ينفع في شيء من ذلك أن يقول المتلفظ: كنت لاعباً أو هازلاً بل يقع النكاح والطلاق والرجعة والعتق ويحسب كل ذلك.

ولكن إذا قال: علي الطلاق ألا أكلم فلاناً أو علي الطلاق ما تذهبي إلى كذا وكذا أي زوجته، أو علي الطلاق ما تسافري إلى كذا وكذا، فهذا طلاق معلق، يسمى يميناً، لأنه في حكم اليمين من جهة الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، فالصواب فيه أنه إذا كان قصد منعها، أو منع نفسه، أو منع غيره من هذا الشيء الذي حلف عليه فيكون حكمه حكم اليمين، وفيه كفارة يمين.

فإذا قال علي الطلاق ما أكلم فلاناً، فكأنه قال: والله ما أكلم فلاناً، أو لو قال: علي الطلاق ما تكلمين فلاناً – يخاطب زوجته – فكأنه قال: والله ما تكلمين فلاناً، فإذا حصل الخلل وحنث في هذا الطلاق، فالصواب أنه يكفر عن يمينه بكفارة يمين، أي أن له حكم اليمين إذا كان قصد منع الزوجة أو منع نفسه، وما قصد إيقاع الطلاق، إنما نوى منع هذا الشيء، منع نفسه، أو منع الزوجة من هذا الفعل، أو من هذا الكلام، فهذا يكون له حكم اليمين عند بعض أهل العلم، وهو الأصح، وعند الأكثرين يقع الطلاق.

ملخص القول عند جماعة من أهل العلم لا يقع الطلاق وهو الأصح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وجماعة من السلف رحمة الله عليهم، لأنه له معنى اليمين من جهة الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، وليس له معنى اليمين في تحريم الحلف بغير الله لأنه ليس حلفاً بغير الله.

ينتشر الحلف بالطلاق بين الناس خصوصا عند التجار والبائعين، ما حكم الشرع بهذا الحلف؟
– ينبغي أن يبتعد التجار والبائعون عن الحلف بـ”الله تعالى” وقول “علي الطلاق” أثناء بياعاتهم، وقد قال النبي [:”الحلف منفقة للسلعة ممحقة للربح”(متفق عليه). وفي رواية :”اياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق”. قال النووي في شرح مسلم(11/44):”المنفقة والممحقة بفتح أولهما وثالثهما واسكان ثانيهما. وفيه النهي عن كثرة الحلف في البيع فإن الحلف من غير حاجة مكروه وينضم إليه هنا ترويج السلعة”.

تقول السائلة : زوجي على خلاف مع أهلي وقد حلف علي بالطلاق أن لا اكلمهم …ماذا أفعل وهل إذا كلمتهم يقع الطلاق ؟
– إذا كان الزوج يقصد التخويف ومنع الزوجة من الحديث مع أهلها ولا يقصد حقيقة الطلاق، فلا يقع الطلاق إذا كلمت الزوجة أهلها وعلى الزوج كفارة يمين كما بينت سابقا. ولكني أحذر من استعمال مثل هذه الألفاظ، فعدد كبير من الفقهاء أوقعوا الطلاق بالصورة المذكورة عند حصول شرطه.

وليس من حق الزوج أن يمنع زوجته من الحديث مع أهلها؛ لأن ذلك يؤدي إلى قطيعة الرحم، وقطع الرحم حرام وكذلك ما أدى إليه. فينبغي للزوج أن يتقي ربه ولا يربط خلافه مع أهل زوجته بمنعها منهم.

وأخرى تقول: حلف علي زوجي بالطلاق أن لا أفعل شيئا ما وقد فعلته ناسية .. ما حكم ذلك ؟
-الحكم في هذه المسألة كما بينت سابقا فإذا كان مقصود الزوج المنع، وفعلت الزوجة الشيء الذي نهاها عنه؛ فلا يقع الطلاق. ولفظه له حكم اليمين وعليه كفارة. أضف إلى ذلك أن الزوجة فعلت الممنوع ناسية والمرء لا يؤاخذ بالنسيان لقوله [ :”إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه”(رواه ابن ماجة. قال الألباني في مختصر إرواء الغليل(199):”صحيح”).

ليلى غليون

O

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة