صخرة النجاة…

تاريخ النشر: 22/04/11 | 10:56

بقلم أكرم المصري

بعد عصر يوم الإثنين،وجاء غسق ذلك اليوم يطرق باب نهايته، عاد الأولاد إلى منازلهم، بعد يومٍ شاقّ من اللعب واللهو، هناك بجنب ذلك النهر المتدفق في جريانه، حينها،أدركت أم عليّ أن الوقت قد تـأخر، ولم يأت ابنها ،خفق قلبها خوفاً، ودبَّ الرعب في أوصالها، حينها هرعت إلى بيوت الأولاد الذين كانوا معه، رأت محمداً وقالت- بلهفة على ولدها- له : محمد. هل رأيت علياً؟

محمد: لا. يا خاله لم أره.أجهشت عيونها بالبكاء، واتجهت نحو سمير: هل رأيت علياً ابني يا سمير ؟

فأجابها : نعم. يا خالتي أم عليّ رأيته كان يلعب معنا.

أم عليّ: وأين ذهب؟ ألم تره عائداً معكم؟

سمير: كلا ،يا خالتي لم أره.

و في حيرةٍ أطبقت على مقلتيها ، وألمٌ ينتزع قلبها، وبين شدّ ومدّ لحبل أفكارها، صراعٌ يختلج فكرها، ودوران يسحق لُبّها، ليتك معي أبا عليّ في محنتي ! أين أذهب ؟ لست أدري….

حينها، سلبت الأرضُ بساطَ الشمسِ من يومها، واستقبل الليلُ نجوماً تلألأت في بحر السماء، وخيّمت ظلمةُ الليل الكحيل. حينها…، ويلاه!! ولدي عليّ… أين أنت يا ولدي؟ انفطر قلبها، واشتدت عليها أحزان، قد توارت على كاهلها ،تركض مع عَجَلِِ دنيا الأقدار، وتلتفت يُمنةً ويُسرةً، وتنادي: عليّ أين أنت؟ عليّ…..؟

دموع تغشتها، تتجه صَوْبَ ذلك النهر،الذي عليه اختفى عليّ، يتلهف قلبها فرحا، لعلها تجده، لكن ….هناك سكن الأمل الذي كان يسابقها، ووقف عند صوت خريرِ نهرٍ جارفٍ، ما كانت قدماها لتحملها ، فأثقلها همُها ،المتفجِّر من بين عيونها ،جلست وعلى جبينها بؤسٌ، وعلى وجنتيها دموعٌ، أين أنت يا ولدي؟ مات ولدي عليّ…..مات…….، آه…….. آه ……….. يا عليّ….. ، وا حَرّ قلباه عليك، لم يسمعها سوى نجومَ ليلٍ، أطلت عليها،وجهها أغبرٌ وأشعثٌ من هول ما رأت ، وبينما روحها تأنُّ بالجراح ،أدركها النعاس من تصاعد همومها على عقلها، وسلبها النعاس، وتغشتها سكينه الروح، وأطلت عليها السماء بلحاف ٍيدثرها ،سكنت نفسها مع سكون جسدها ،في سكون أثَرِعليّ. بدأ ينتابها تقلباتِ ليلها، وهي تنادي:”عليّ….. عليّ….. عليّ…….

وبينما كانت ساكنةَ الروح ،ومن بين صمتِ ليلها، أتاها حُلُمٌ ” لقد سحب ذلك النهر عليّاً إلى ذلك البحر”. وفي صعقةٍ لروحها … ولدي عليّ أين أنت؟ فزعت من نومها، وأقبلت مسرعةً في فجر اليوم التالي ،تركض وتصارع الزمن، حينها وصلت لهاوية ذلك النهر، وأطلت من بعيد : لقد مات عليّ وا حسرتي عليك يا ولدي وا حسرتاه ….!! جلست تُقبّل صباح دموعها .

بينما هي كذلك…، وافتقد أهل تلك القرية أم عليّ؟ أين هي؟؟!!

أم محمد: هل رأيت أم عليّ؟

محمد: أجل يا أمي .البارحة بعد المغرب سألت عن ابنها عليّ، وقلت لها لم أجده.

أم محمد: يا أبا محمد،ذهبت لأبحث عن أم عليّ فلم أجدها.

أبو محمد يمشي متأملاً بين نظرةٍ وأخرى قائلاً: هل رأى أحدٌ منكم أم عليّ ؟ تعالت أصواتٌ هنا وهناك لا … لالالا…. لم نرها….. وأين اختفت؟ ويجلس طفلٌ بجنب تلك السلسلة من الحجارة، وفي صوتٍ منخفضٍ، رأيتها أمس تسير في ذلك الإتجاه، تجاه النهر، تبحث عن عليّ….أمُتأكد أنت؟! أجل يا عمي؟ حسناً…. هيّا بنا نبحث عنها يا رجال، تكاتفت أرجلهم سعياً ،ودبّت في أرواحهم نخوةٌ بحثاً عن أم عليّ ، هرولت أقدامهم نحو النهر….

أبو سمير: ها هي تجلس هناك….

أجل… أجل….، هيّا لنسألها: ما خَطْبُها ؟ وما الذي حلّ بها ؟

أبو محمد يمشي في خطىً ثابتةً، ويجلس بجنبها، ويرفع رأسها، قائلا لها: أم عليّ…. أم عليّ…… أم عليّ…… و تنظر في وجهه متألمةً فزعةً، وحالتها تدمي القلوب ، وفي استكانةٍ لروحها : مات عليّ…. لقد مات….. وانتهى…… ما عاد لي غيره …. ،عيونهم اغرورقت وأجهشت بكاءً ونحيباً…. مستحيل!! عليّ أين ؟ مات… مات…. كلا…. حينها طلب أبو محمد من بعض النسوة اللاتي حضرن معهم من القرية أن تأخذها لبيتها، وتواسيها ،وممن حوله بالبحث عن عليّ ، لعل من يدلنا على أثره…، ومن بينهم صبي لا يتجاوز الخامسة من عمره، أصبح يشير ببنانه نحو ذلك البحر ويقول: عليّ…. عليّ…. وكأنّ أنفاسه تكاد أن تقتلع روحه! نظر بعضهم وأدركوا ما يقول ، أبو سمير وأبو محمد ماهران في السباحة، كان الجو صافياً معطراً بالهدوء والسكينة،و أبحرا بقاربهما، وقد أكلت عليه السنين، وشرب البحر عليه ماءه ،أبحرا به، و بين مجموعة من أبناء القرية ،عيونهم تتلفت يُمنةً ويُسرةً ،وطال يومهم ،لم يكِلُّوا ولم يمَلَُّوا…

شاء القدر أن يحتضن علياً بين ذراعيه ، ويضمه بين صدره ، ضمة الحبيب لمحبوبه ، لعلّ مياه البحر قد حملته في خدرها وكيف هذا؟! لا يعقل ما تراءت عليه أنظارهم!

أبو محمد: لك عُمُرٌ يا عليّ…

أبو سمير: لقد أفجعت قلب أمك المسكينة….. يا علي ّ…..يا علي……يا عليّ….

عليٌّ يجلس عليها، وفي خوف وبرد يتخلل أوصاله ، يتقدمان في عطف وحنان إلى تلك الصخرة من الجانب الشرقي،عليٌّ يجلس هناك، لم تكن إلا ليتنفس عليها البحر أنفاسه من هيجانٍ ،عليها تنفس عليٌّ روحه من بعد موت محدق بروحه، لكنها قد خلقت لتنقذ عليّ. فلله درّك يا صخرة عليها رست روح عليّ.عندها أخذوه على متن ذلك القارب الهشّ، وعادوا في مساء يومهما، وعليّ بين أحضانهم ، وذهب صبية الحي ّ يتمارحون،عليهم عِنان الحياة، مسرعين، والفرحة تملأ قلوبهم،وأبصارهم تحدّق لبيت أم عليّ،” لقينا عليّ….رجع عليّ “. أم عليّ تخرج من غير وعيها، ويتطاير وشاح رأسها، لعلّ الفرحة أنستها روحها،عندها أصرَّته إلى قلبها في لهفةٍ محدقةٍ بعد أن أبسطها الأمل أرضاً، بكاءً عويلاً ينتابها، وقرّة عينها بين أحضانها، الحمد لله…. الحمد لله…….. لماذا يا عليّ؟! وفي حنين قولها :”لا عليك ” ،ودخلا البيت في فرحةٍ عارمةٍ وبسمةٍ على شفاههما، حينها أقصّ عليها أبو محمد ما جرى وكيف أن الصخرة قد لمّت شملهم من بعد ضياع …..،فأومأت برأسها: أجل لعلها تلك الصخرة …….أجل. إنها صخرة النجاة.

يمكنكم إرسال الصور والمواد للنشر عبر بريدنا الالكترني الاَتي: [email protected]

‫2 تعليقات

  1. صخره النجاه …
    سلمت يداك ….. كتير حلوة وما تحمله من معاني وايحاءات زادتها روعة
    في واقعنا … نصطدم بامور بسيطه غير متوقعه تكون فيها نجاتنا من مصائبنا

  2. ليت لجميعنا هنالك صخرة نجاة توصله بالنهاية الى الطريق المشرق، مع الاحداث المشوقه للقصة هنالك نهايه سعيدة متفائلة وصلت ام علي للحظات يمكنها ان تتشبك اكتر بالحياة وهذا ما يحدث في واقعنا.. كلمات واحدات القصة اكثر من رائعة.. احسنت أكرم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة