الاعتدال الربيعي في مختلف التقاليد الروحية
تاريخ النشر: 04/04/13 | 22:54فيما بلغ الربيع ظهيرته العظمى في النصف الشمالي من الأرض في 21 آذار، وتساوى الليل والنهار في توازن كامل، ليعود من بعدها الضوء ليشغل ساعات أطول من اليوم، إحتفلت العديد من الشعوب والأديان في العالم بهذا اليوم، وتراه مناسبة تتمحور حول تجدّد الطبيعة، البدايات الجديدة، الروابط العائلية، والعرفان للهدايا المقدّسة.
اليوم الذي بدأ فيه الكون بالحركة أحد أقدم الأعياد في الشرق الأدنى المرتبطة بهذا اليوم هو عيد “أكيتو” البالغ من العمر ستة آلاف عام على الأقل، والذي يُحتفل به عادة في الأوّل من نيسان.
أكيتو يعني في اللغة الأكاديّة القديمة “حصاد القمح” ويشكّل بداية الحصاد, هو أحد أقدم الاحتفالات الدينية المدوّنة في العالم وقد تم الاحتفال به لآلاف السنين في بلاد ما بين النهرين والمشرق.
تجدّد الطبيعة في الأديان القديمة في المنطقة كانت تتمثّل بعودة إله الخضرة أو إلهة الخصب من العالم السفلي في أوّل أيّام الربيع بعد موت مطوّل خلال الشتاء.
هذه هي الحال مع أسطورة عودة الإلهة إنانا من العالم السفلي، وأسطورة قيام أدونيس من الموت على نبع أفقا.
بعض الأديان عبّرت عن هذه العودة بانتصار الإله المحارب على قوى الفوضى والموت، مثل انتصار مردوك على تعامات في الدين البابلي، وانتصار بعل هدد إله العواصف والمطر على يم إله البحر في الدين الكنعاني.
واليوم، بعض الشعوب من مختلف الطوائف لا تزال تحتفل بالاعتدال الربيعي كيوم ثقافيّ.
أكيتو، أو خاب نيسين (أوّل نيسان) في اللغة الأشورية، تحتفل به الطوائف الأشورية والكلدانية التي تعتبره يوم رأس السنة التقليدي.
الاحتفالات تتضمّن مسيرات ومهرجانات والكثير من الطعام والموسيقى والرقص، وإنشاد بعض الأبيات من قصّة الخلق (أحياناً يتم قراءة بعض المقاطع من الإينوما إيليش، أسطورة الخلق البابلية).
عيد آخر في نفس الفترة هو عيد النيروز الذي لا يزال يُحتفل به في إيران وعدّة أنحاء أخرى من العالم في آسيا الوسطى، جنوب آسيا، وشمال الصين، وبعض بلدان البلقان. الإثنيات والطوائف التي تحتفل بالنوروز تشمل الكورد، الزرادشتيين، بعض الطرق الصوفية، البهائيين، الاسماعيليين، وبعض الطوائف العلويّة، بالإضافة إلى الويغور والسالار في الصين.
كلمة نوروز تعني “اليوم الجديد”، وتُدعى في إيران برأس السنة الإيرانية. وفقاً للعلامة الفارسي أبو ريحان بيرون الذي عاش في القرن العاشر، اعتقد الفارسيون القدماء بأن “النوروز هو اليوم الأوّل الذي بدأ فيه الكون بالحركة”.
الاحتفالات المحلّية بالنوروز تشمل التنظيف الكامل للمنزل قبل العطلة، إيقاد النيران في الأماكن العامّة، شراء الزهور والهدايا، زيارة الأقارب والأحباء، والخروج لتناول الطعام والتمتّع بالشمس والهواء في الخارج.
بعض الطوائف تعتبر بأن ما يفعله أي شخص خلال هذا اليوم سيؤثر عليه لبقيّة العام. لذلك، إن كان الشخص حنوناً ولطيفاً مع أقرباءه، أصدقائه وجيرانه على عيد النوروز، سيكون عامه حافلاً بالحنان واللطف والعطاء، والعكس صحيح. “شمّ النسيم” في مصر هو عيد ثقافيّ آخر مرتبط بوصول الربيع. هذا العيد عمره على الأقل 4700 عام، وكان يُحتفل به بين 21 آذار والأوّل من نيسان، لكن خلال الفترة المسيحية تم نقل العيد إلى الإثنين الأوّل بعد عيد الفصح.
الكنائس المسيحية أيضاً لديها أعيادها الخاصة خلال فترة الربيع، ولو كانت الكنائس الرسميّة تنفي أي صلة بين المسيحيّة وبين الأديان الوثنيّة القديمة.
معظم الطوائف المسيحية تحتفل بعيد البشارة في 25 مارس وتحسب عيد الفصح على أنه الأحد الأوّل بعد القمر المكتمل الأوّل بعد الاعتدال الربيعي.
في آسيا الجنوبيّة، معظم الولايات الهنديّة بالإضافة إلى شعوب التاميل والبنغال تتبع التقويم الهندوسي وتحتفل برأس السنة “فيشو” (التي تعني “متساوٍ” في السنسكريتيّة) في 14 نيسان.
الربيع الجديد يمتلك أيضاً مكانة مهمّة في الثقافة الغربيّة وخاصة في أوروبا حيث لا تزال العديد من البلدات تحتفل بهذا اليوم في أعياد لها جذور في الاحتفالات الزراعيّة للأديان الوثنيّة القديمة. أحد الامثلة هو “الديسابلوت” في الدول الاسكندنافيّة والذي كان عطلة دينيّة لتكريم الأرواح والآلهة الإناث “الديسير”.
الأديان المعاصرة المرتكزة على الطبيعة مثل الدرويديّة والويكا لديهم أيضاً حصّتهم من العيد: يوم الألبان إيلير (ضوء الربيع) في الدرويديّة، وأوستارا (المشتقّة من اسم إلهة الخصب الجرمانيّة أويستر) في الويكا هي أيام يُحتفل بها على أنها عودة الإلهة الأم للتوحّد مع زوجها الذي قضى أشهر الشتاء في الموت.
بعض المعاني في تقاليد أخرى مشابهة تشمل الاحتفال بـ”الزواج المقدّس” بين إله الشمس والإلهة العذراء، أو الاحتفال بنضوج الإله بعد ولادته في ديسيمبر.
البداية الجديدة الاعتدال الربيعي هو فرصة جميلة للاحتفال بتجدّد الحياة، تقديم العرفان والشكر للهدايا القيّمة من الطبيعة والكون لنا خلال العام الماضي وإعادة التوازن لحياتنا.
الربيع هو زمن توازن في الطبيعة وهو زمن تجاوز القديم والشروع في مغامرات وأفكار جديدة. بعض الأفكار البسيطة لقضاء هذا اليوم:
– التفكير والتأمل في مشاريعنا وأفكارنا وفرصنا للعام القادم.
– قضاء اليوم في الخارج في الطبيعة وتناول الطعام مع العائلة او الأصدقاء في ظلّ الشمس والدفء والحياة المتجدّدة فيها.
– زراعة بعض البذور للأعشاب والخضار والزهور، أو البدء بحديقة صغيرة (الربيع هو فترة مثالية لزراعة الكثير من البذور).
– ممارسة “السكون” الذي يهدف ببساطة إلى إعادة تنظيم ساعتنا الداخلية مع دورات الطبيعة. يمكن ممارسة السكون عبر الجلوس لربع ساعة بصمت في محيط طبيعي كحديقة أو غابة أو بحر أو جبل، وإبقاء ذهننا بعيد عن الأفكار والإلهاءات وتوجيه انتباهنا إلى كل العالم الحيّ من حولنا، كنبتة برّية، حيوان ما، صوت الهواء على العشب، أو ترقرق المياه الجارية. الطبيعة لديها الكثير من الأمور لتخبرنا بها حين نهدأ قليلاً ونستمع لها.