الطَّعَامُ قَبْلَ الرَّائِحَةِ

انتشرَتْ رائحةُ طعامِ أُمِّي في كُلِّ أَرجاءِ البيتِ، وعلى الفورِ ناولتْ طبقًا إلى أُختي نبيلةٍ قائلةً: أَسرِعِي به إلى جارتِنَا أُمِّ محمود، فهي مريضةٌ منذُ الصَّبَاحِ، ولنْ تستطيعَ أنْ تطبخَ لأولادِها.
ثُمَّ التفتْ أُمِّي إليَّ قائلةً: خُذْ يا حسن هذا الطَّبَقَ، واذهبْ به إلى جارتِنا أُمَّ سَيْد.
فقلتُ لها: ولكنِّي جائعٌ يا أُمِّي.. سآكلُ أولاً ثم أَذهبُ إليها.
غَضِبَتْ، وقالتْ: لا يا حَسَن، اذهبْ أولاً، فأَنا أُحِبُّ أنْ يَصلَ طعامي إلى جيراني قبلَ أنْ تَصلَ إليهم رائحتُه.
هنا ضَحِكَ أَبِي، وقالَ: هكذا أنتِ دائمًا يا أُمَّ حَسَن متعلِّقَةٌ بجيرانِك!
تَبسَّمتْ أُمِّي، وقالتْ: وكيفَ لا أَتَعَلَّقُ بهم، وقدْ أَوصانَا بهم الرَّسُولُ الكريمُ.
فقالَ أَبِي: عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ.. غَلَبْتِنِي يا أُمَّ حَسَن.
وفي أَحَدِ الأيامِ كانتْ أُمِّي تَصعدُ السّلَّمَ، فانزلَقَتْ، وَوَضَعَ الطبيبُ قَدَمَها في الجبس، وقالَ: سَتبقَى ثلاثةَ أسابيع في السَّرِيْرِ.
كُنَّا جميعًا قَلِقُونَ عليها، وكانتْ هِي قَلِقَةٌ على شَيءٍ واحدٍ.. مَنْ سَيَخْدِمُنَا أثناءَ مَرَضَها.
لكنَّنَا انتبهنَا إلى صوتِ البابِ. كانَ الطَّارِقُ هو ابنَ الجيرانِ يحملُ طَبَقًا مُمتلِئًا بالطَّعامِ.. فالتَفَتْ أَبِي إليَّ باسمًا.
وطَوَال ثلاثةِ أسابيعَ لم تَنقطِعْ أَطباقُ الطَّعامِ مِنْ كُلِّ بيتٍ مِن بيوتِ الجيرانِ.
وكَمْ كَانَتْ سعادتُنا عظيمة.. فقد عَلَّمَتْنَا أُمِّي درسًا، وعَلَّمَتْهُ أيضًا لِكُلِّ جيرانِنا.