من أرشيف الذاكرة في المقاهي الثقافية

تاريخ النشر: 05/07/15 | 7:58

“ألصعود إلى أسفل” في ساحة الخمرة!

• “ألمشوهون” يبحرون إلى “حيفا والنورس”!
الزمان: الستينات الجميلة من القرن الهارب.. والعمر الهارب!
المكان: عروس الكرمل.. سيدة الجميلات.. وأجمل مدينة في هذا الوطن!

نحن في ساحة الحناطير (ساحة الخمرة.. ولها قصة) التي يفوح منها عبق الخمرة وإيقاع حوافر الخيل التي كانت تجرّ الحناطير أيام العزّ الغاربة.. فقد أُرغِمت على خلع ردائها التاريخي.. ثم أُلبِست زيًا فرنسيًا عصريًا.. تنورة قصيرة.. قصيرة جدًا.. وقَصة شعر غلامية.. وعلى صدرها الناهد طرزّت عبارة “ساحة باريس!”

فهلموا بجماهيركم يا فرسان الساحات والميادين!
وانهلوا ما طاب لكم من الينابيع المشتهاة!

**
وقصة البَطاح قصة!
فعندما شبّت النيران في المشهد الثقافي في مدينة البشارة.. اقتاده “المشوهون” إلى” الشارع الأصفر”.. فانقاد.. ثم مشى ومشى.. وانتهى به المسير إلى “بيت الجنون”.. ثم غادر “البيت”.. ومن هناك شدّ الرحال إلى “وادي الحوارث”.. ثم غادر الوادي ويمّم وجهه شطر قاهرة المعزّ لدين الله الفاطمي.. وهناك التقى “البهلول”.. فتعانقا بحرارة.. ثم صارا صديقين حميمين.. وسارا معًا.. وتبعهما سرب من الأطفال والفراشات الملونة.. حتى وصلت الكوكبة إلى “نواعير الذاكرة”..
أيها الأحبة.. فلتدعوا “النواعير”.. ولتركبوا البحر!
رُفعت الصواري.. وانطلقت سفينة الحرية تمخر عباب البحر.. ومن بعيد.. أطلت “حيفا” وأطل نورسها حارسًا لأمواجها وشطآنها وكرملها وعينيها الكحيلتين!
**
• ثلاثي الغرباء.. طموح إلى العلا!
وكان لقاء الأحبة!
ساحة باريس.. سيدة المشهد!
ألشخصيات: ثلاثة غلابى من غرباء الوطن.. محمود درويش وتوفيق فياض البطاح.. والفقير إليه تعالى!

ألقطار الأرضي الفرنسي في انتظارنا!
يتفق ثلاثي الغرباء أن نشدّ الرحال إلى الهدار. نحن على موعد مع الملتقى الأدبي اليومي في مقهى “بئير”.. في شارع “الأنبياء”.. ويقول الرواة.. إنه خلع رداء الأنبياء ولم يبق فيه أثر لنبيّ واحد!
لقد اعتدنا أن نطرح عليه السلام.. يوميًا.. فينهض من مكانه ويرحب بنا ويدعونا لنشرب قهوة الصباح!
نمتطي صهوة القطار الأرضي الحديث.. وعيوننا إلى أعلى.. فقد جُبلنا على الطموح إلى العلا.. وعيوننا دائمًا إلى أعلى..
نصعد بواسطة الدرج الكهربائي ونصل أعلاه ومنتهاه..
قف!
نعدّ أضلاع المثلث.. فإذا بنا اثنان فقط!
وهل يكتمل المثلث بدون الضلع الثالث؟
وسؤال آخر: هل يمكن للمثلث أن يكون مثلثًا بضلعين!
وابتسمت في سري!
سؤال0 غبيّ!

• ألصعود إلى أسفل!
نلقي نظرة تشرف من القمة إلى القاع.. إلى نقطة انطلاق الدرج الكهربائي.. فيتراءى أمامنا مشهد عبثي!
ألدرج في صعود.. وتوفيق فياض في هبوط.. الدرجات تتسلق الجبل.. وتنساب صاعدة إلى أعلى.. وتوفيق يتقهقر إلى أسفل في الاتجاه المعاكس لسير الدرج الكهربائي!
– أين أنت يا.. !؟ وماذا أصابك!؟ أجننتَ!؟
يصيح محمود.
فيرد توفيق: أفكر في كتابة قصة عنوانها “ألصعود إلى أسفل”!!
فننفجر ضاحكين.. وتغرورق العيون!
هذا الضحك سيكون زوادة تكفينا مؤونة لسنة كاملة في مشوار العمر!
فبين “الصعود إلى أسفل”.. وبين “الأعلام المنكسة إلى أعلى”.. صلة رحم لا تنقطع!
وبين أبي قتيبة (توفيق فياض).. وأبي الأديب (ميشيل حداد).. سريالية إبداعية.. عزّ نظيرها!
رحم الله خفيف الظل أبا الأديب صاحب “أحاسيس” وصاحب “الأعلام المنكسة إلى أعلى”.. والتي بقيت غائبة في مجاهل الإبداع!
وأطال عمرك يا أبا قتيبة!
فأين أنت يا أيها السندباد الفلسطيني التائه في قرطاج وحمامات وسيدي بوسعيد والقيروان.. في تونس الخضراء!
أين أنت يا ضائعًا في ساحات جامع الزيتونة؟
أين أنت يا عاشقًا تائهًا في ديار أبي القاسم الشابي.. وباحثا بقنديلك عن ابن خلدون.. وصولا إلى بوعزيزي متعمدًا في نيرانه الخالدة؟
أين أنت؟
طوبى لك يا عاشق النجوم التونسية!
**
• هل تستعاد أيامنا في الخليج.. وليالينا!؟
نصل مقهى “بئير”.. نحن على موعد مع قهوة الصباح!
رائحة الهال تعبق بخورًا في أجواء المكان.. نتنشق شذاها عن مسافة عشرات الأمتار! فالنادل شاب عربي من إحدى قرى الشمال.. ويملك خبرة ودراية و”رادارًا” حساسًا يلتقط أذواق “المثقفين الصغار” روّاد المقهى ورغباتهم في معاقرة “المحبوبة السمرا”.
إنها هي هي!
تقف الظبية السمراء على باب المقهى الثقافي.. وعلى شفتيها ابتسامة خجولة!
أنا المحبوبة السمرا **** وأجلى في الفناجين
وعود الهند لي عطر**** وذكري شاع في الصين
قهوة الصباح.. طقس من طقوس العبادة اليومية.. لا يكتمل المشهد الثقافي في عروس الكرمل بدونه..
فـ”هل تُستعاد أيامنا في الخليج.. وليالينا”!؟
حبيبنا توفيق.. عروس الكرمل والأحبّة.. في انتظارك!
فلا تتأخر علينا!
**
حيفا-22-3-2015
(من”حكاية عشق”- سيرة ذاتية-2)
فتحي فوراني

1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة