حكاية بئر مهجور

تاريخ النشر: 23/04/15 | 9:36

عجوز أمدّ الله عمرها، من احدى القرى المهجرة، أقعدها العمر لتحيى ماضيها على اوراقٍ متناثرة، تحمل تاريخ حياتها تتجمع حول متناول يدها، تقرأ ما تصل اليه أناملها المقوسة من ضنك العيش، ويدها الجافة تلويها انات ٌ ما ان ترى النور حتى تفنى، لا تفطن لحاضرها إلا اذا زقزقت عصافير المعدة جوعا او عطشا وقليلا ما تفعل.
جاءت تزور أطلال بيت الصبى بيت العز والهناء في الحدثة المهجرة، يوم ذكرى النكبة، فلم تجد إلا البئر حيّا يلفظ انفاسه الاخيرة يفتح فاه الى السماء عطشا ً لالتقاط رذاذ ماء او ندى، نظرت بعينه ودمعها يقطر في فيه مُستساغاً كحليب ام في فم رضيعها.
خاطبته باكية ً
يا بير يابير –
يا بيرنا زمزم ميتك.
من ميته ملّي جرتك
الشربه من ميّات بيرنا
تشفيك وترمي علتك
يا بير وينك وين، ريت الاهل يدرون
انك حي والشوك يعمي العين الى آخره……..
أنا اقول :
__________________
خانها الزمنُ وأوعز للأيام،
ترجمُ البئرَ بشوكٍ وحجارة.
جوفه بالشوق ينضخ،
واللهيب زادها العيش مرارة.
اقدمت يوماً تعاينه وتبكي زائرة،
وإذ به يبكي السنين الماضيات ثقلها
أناتُ أهلٍ زوّدته،
بالغياب المر وعبث الحضارة.
خاطَبَته لوعة المشتاق،
أنات البكاء ذُوِّبَت في صوتِها،
والصدى ابكى الحجارة.
في فتحة البئر أطَلَّت،
تقرا الماضي عميقا،
حين كان له حكاية.
في ساحة البئر لقاءٌ مُمتع ٌ
بين الشباب والصبايا،
ورعاة للمواشي،
وحفاة من صغارٍ،
تقضم الخبز وترقصُ للطفولة.
لم يبق إلا حبلُ حلم بينها والبئر،
يَكتظٌّ بشوقٍ زادهُ البونُ حرارة.
ان شدّه يوما على عنقِ الفراقِ ولفّه،
وافتْ تنشف دمعَهُ الممزوجِ
بالدم وكدمات الحجارة.
وهي تزورهُ كل عام،
تنتظر يوما ًتَشِدّ الحبلَ،
ملفوفاً على رقبة الطاغي،
لترديه صريعا ً،
ثم تجلس في الصدارة.

احمد طه

a7md6aha

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة