كيفية تفادي عدم دستورية قوانين الممارسة السياسية
تاريخ النشر: 19/04/15 | 6:02إن نصوص الدساتير حينما تقرر حق الترشيح وحق الانتخاب تضع حجر الأساس في حكم الدولة ويقابل هذه الحقوق واجب أساسي من واجبات المواطنة يتمثل في المشاركة في الحياة السياسية حيث إن الاشتراك في الحياة السياسية بالترشيح والتصويت واجب هام لإصلاح نظام الحكم وتحقيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وهكذا يكون واجب كل فرد إن ينتخب وان يرشح نفسه للانتخاب – إذا ما توفرت له الأهلية القانونية – عندما تكون الانتخابات حرة ونزيهة ودورية وتتم بالاقتراع العام المتعادل السري وتضمن للناخبين التعبير عن الحر عن إرادتهم وذلك لان الإسهام في الترشيح والتصويت يتعلق بمصير المجتمع الذي يتشكل وفقا لسياسات الحكومات على اختلاف مناهجها وسياساتها وعلى الفرد أن يؤدي واجبة في الإسهام بدورة في تقرير مصير مجتمعه من خلال صوته الانتخابي أو من خلال الترشيح الإنسان يعيش دائماً في مجتمع من الناس فهو مدني بطبعه وهذا المجتمع يؤدي إلى وجود علاقات بين أفراده سواء كانت فردية شخصية أو سياسة، ويستلزم ذلك وجود تنظيم معين او وجود نظام ملزم يحكم وينظم العلاقات في المجتمع ويبين الحقوق والواجبات، فيؤدي ذلك إلى إقامة مجتمع منظم ووجود توازن بين السلطة العامة والحقوق والحريات الفردية وهذه هي فكرة القانون الذي تقوم باصداره السلطة التشريعية في كل دولة.
فالدولة في السابق كان لها نشاط تقليدي حيث انها تتدخل للمحافظة على الأمن الخارجي والداخلي وإقامة العدالة، ولذلك كان يطلق عليها الدولة الحارسة اما الأن أصبحت الدولة تتدخل في جميع المجالات حيث لم يصبح لها دور تقليدي الحارس او الحاكم بل أصبح لها دور اجتماعي فتدخلت في اصغر الأمور، ومع تزايد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتضخمها احتاج الأمر الى مزيد من التدخل من قبل الدولة وبالتالي زادت التشريعات التي تنظم ذلك وتوالت التشريعات الفردية والعادية التي تحقق الدور الاجتماعي للدولة.
وفي هذا الكم الهائل من التشريعات تعرضت الضمانات الفردية والحريات العامة والمبادئ الدستورية والفصل بين السلطات إلى اعتداءات عديدة لما تتصف به هذه التشريعات من عجلة وسرعة في صدورها هذا فضلاً عن وفرة التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية بسب انتشار المبادئ الاشتراكية وتدخل الدولة في العديد من أنشطة الافراد لتوفير حاجاتهم المتجددة والتوسع في سياسة التفويض التشريعي لذلك يجب البحث عن وسيلة لضمان أن السلطة قد راعت حدودها الدستورية المرسومة لها أم لا وهذا هو سبب اختيارنا موضوع (رقابة دستورية القوانين)
باعتبارها من أهم الوسائل التي تستطيع إن تردع السلطة التشريعية وتلزمها بالسير في حدود الدستورية وتحقق مبدأ الشرعية باعتبارها الضمان الفعال لحماية الحريات العامة من تعسف السلطة التشريعية في استعمال سلطتها والتأكيد على المبدأ سيادة القانون الذي هو أساس الحكم في الدولة الذي يستوجب عدم خروج القوانين واللوائح على أحكام الدستور ضماناً لالتزام سلطات الدولة بأحكامه فيما يصدر عنها من قواعد تشريعية
ظهرت في فرنسا ويقصد بها إنشاء هيئة خاصة لغرض التحقق من مطابقة القانون للدستور قبل صدوره ويعود الفضل في ظهور هذه الفكرة عن الرقابة إلى الفقيه الفرنسي ” Sieyes ” والغرض من هذه الهيئة حماية الدستور من الاعتداء على أحكامه من قبل السلطة ويعود تفصيل ” Sieyes ” للرقابة السياسية على الرقابة القضائية لأسباب تاريخية منها أعمال العرقلة في تنفيذ القوانين في فرنسا والتي كانت تقوم بها المحاكم المسماة بالبرلمانات حيث كانت تلغي القوانين وهو ما جعل رجال الثورة يقيدون سلطات المحاكم ومنعها من التدخل في اختصاصات السلطة التشريعية أما بالنسبة للأسباب القانونية فترجع إلى مبدأ الفصل بين السلطات فقد أعتبر تصدي القضاء للرقابة دستورية القوانين تدخلا في اختصاصات السلطتين التشريعية والتنفيذية ومن الناحية السياسية استند في تبرير عدم الرقابة إلى أن القانون هو تعبير عن إرادة الأمة وهذه الإرادة أسمى من القضاء وعليه فلا يجوز له التعرض لمدي دستورية أو عدم دستورية قانون يعبر عن إرادة أمة.
ورغم هذا ففكرة ” Sieyes ” وجدت مساندة وتأييدا لها فيما بعد، بل ولقيت نجاحا في الأخير حيث نص دستور سنة الثامنة للثورة (15/12/1799) على استناد مهمة الرقابة إلى مجلس الشيوخ حامي الدستور على أن تكون سابقة لصدور القوانين وسمح له بإلغاء القوانين المخالفة ومع ذلك فإن هذا المجلس تحول إلى أداة في يد ناجيلون يسيرها كيف يشاء ومن بين أسباب عجز هذه الهيئة النص في الدستور على أنها لا تراقب إلا القوانين التي تحال عليها من هيئة التربيونات ولا يعقل أن تقدم هذه الهيئة القوانين التي لا تتماشى وسياستها للمجلس وفيما بعد أسندت الرقابة إلى هيئة سياسية تسمى المجلس الدستوري الذي يتألف من أعضاء كانوا رؤساء الجمهورية منهم من هو على قيد الحياة وتسعة آخرين يعين رئيس الجمهورية ثلاثة ويعين رئيس الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ كل منهما ثلاثة أعضاء أما رئيس الجمهورية فنختار رئيس المجلس من بين الأعضاء التسعة ومدة العضوية تسعة سنوات غير قابلة للتجديد على أن يجدد الثلث كل ثلاث سنوات كما لا يجوز لهؤلاء الأعضاء الجمع بين العضوية في المجلس وفي البرلمان أو الوزارة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
فبالنسبة لتفسير الدستور نلاحظ أن المحكمة لعبت دورا بالغ الأهمية في سد النقص الملاحظ على دستور البلاد الذي لم يكن يتضمن عند إصداره سنة 1787 سوى سبع مواد. غير أن تفسير هذا الدستور تماشيا مع العصر كان نتيجة للرقابة على دستورية القوانين التي مارستها المحكمة العليا وغيرها من المحاكم والتي توسعت فيها استجابة للتطور مما أدى بالعديد من الفقهاء إلى وصف حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بحكومة القضاة، وشنت حملة واسعة ضد القضاة بتهمة تدخلهم في اختصاصات الهيئات الأخرى مما حدا بالبعض من القضاة إلى اتخاذ موقف معارض من زملائهم ووقوفهم بجانب الهيئات الأخرى وبالخصوص الهيئة التشريعية، وقد احتدم الصراع وبلغ أوجه في عهد حكومة الرئيس فرانكين روزفلت عندما عرض هذا الأخير مشروع الإنعاش الاقتصادي لمواجهة الأزمة الاقتصادية فسن الكنجرس عدة قوانين سنة 1933 لتطبيق ذلك المشروع، لكن المحكمة العليا قضت بعدم دستوريتها، استنادا إلى أن الحرية الاقتصادية متروكة للأفراد ولا يحق للدولة التدخل لممارستها. لكن فوز روزفلت مرة أخرى في نوفمبر 1936 أكد تأييد الرأي العام للسياسة الجديدة التي يريد تطبيقها وبرامجه الإصلاحية، وهو ما شجعه على وضع مشروع لتعديل نظام المحكمة الاتحادية العليا يسمح فيه لنفسه بإحالة القضاة البالغين من العمر سبعين سنة على المعاش وتعيين موالين له دون أن يشير إلى المشكل الدستوري.
والحقيقة أن الناس في حياتهم العادية واليومية يتعاملون مع القواعد اللائحية اكثر من تعاملهم مع القواعد الواردة في القوانين، ومن ثم يصبح من المتعين أن تلتزم هذه اللوائح بحكم القواعد التي تسمو عليها والتي هي بمثابة سند وجودها سواء في ذلك قواعد القانون أو قواعد الدستور الذي هو اسمي القواعد القانونية في الدولة الحديثة.
ومن هنا نستطيع أن نقول أن فكرة تدرج القواعد القانونية والتزام أدناها بأعلاها وسمو أعلاها علي أدناهما هي بدورها من الأفكار التي أدت إلى قبول وسيلة الرقابة علي دستورية القوانين باعتبار أن هذه الرقابة هي الوسيلة الفعالة لضمان الالتزام بكل القواعد السابقة.
وقد كان فقه الفقيه النمساوي الكبير كلسن في بدايات القرن العشرين واحداً من أهم المصادر التي قادت إلى قبول فكرة الرقابة ولعلها كانت وراء إنشاء أول محكمة دستورية متخصصة في الرقابة علي دستورية القوانين في العالم الحديث وهي المحكمة الدستورية العليا في النمسا والتي أنشئت عام 1920 م.
لعل هذه بإيجاز شديد هي الجذور الفلسفية والفكرية التي قادت إلى موضوع الرقابة علي دستورية القوانين التي يتعين علينا الآن أن نبحث أهم صورها في العالم المعاصر.
الدكتور عادل عامر