وأتبع السيئة الحسنة

تاريخ النشر: 12/04/15 | 14:02

عن أبي ذر ومعاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) هذا الحديث أوصى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بوصايا عديدة:
الأولى: الوصية بالتقوى وهي وصية عظيمة جامعة لحقوق الله وحقوق الخلق. والتقوى وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ). وقال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). والمعنى اتقوا سخطه وغضبه وهو أعظم ما يتقى. وقال تعالى: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ).
وحقيقة التقوى أن يجعل العبد بينه وبين من يخافه ويحذره وقاية تقيه منه، والتقوى الكاملة فعل الواجبات وترك المحرمات والشبهات وفعل المندوبات وترك المكروهات.
قال طلق بن حبيب: (التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله). وقال عمر بن عبد العزيز: (ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله فمن رزق بعد ذلك خيرًا فهو خير إلى خير).
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرًا على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرًا. وكان يكثر من وصيته لأمته في المجامع العامة والمناسبات الخاصة. ولم يزل السلف يتواصون بها.
وكان أبو بكر رضي الله عنه يقول في خطبته: (أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله وأن تثنوا عليه بما هو أهله وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة وتجمعوا الإلحاف بالمسألة فإن الله أثنى على زكريا وعلى أهل بيته فقال: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).

الثانية: كمال التقوى وتمامها أن يذر العبد ما لا ريب فيه خشية الوقوع مما به ريب فيجعل شيئا من المباح حمًا وسياجًا للحرام.
قال أبو الدرداء: (تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه مثقال ذرة حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حرامًا يكون حجابًا بينه وبين الحرام)، وقال الحسن: (ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال خشية الحرام). وفي الحديث: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا باس به حذرًا مما به بأس).

الثالثة: (اتق الله حيثما كنت). في السر والعلانية حيث يراك الناس وحيث لا يرونك. كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (أسألك خشيتك في الغيب والشهادة). وقد قال لمعاذ: (استحيي من الله استحياء رجل ذي هيبة من أهلك). وهذا هو السبب الموجب لخشية الله في السر فإن من علم أن الله يراه حيث كان وأنه مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته استحضر ذلك في خلواته وأوجب له ذلك ترك المعاصي في السر.
وقال الشافعي: (أعز الأشياء ثلاثة: الجود من قلة والورع في خلوة وكلمة الحق عند من يُرجى ويُخاف). وكان الإمام أحمد ينشد: إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل — خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة — ولا أن ما يخفى عليه يغيب
أما ابن مسعود فيقول : (ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله ردائها علانية إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر).
فالسعيد من أصلح ما بينه وبين الله فإن من فعل ذلك أصلح الله ما بينه وبين الناس وألقى محبته وثناءه على لسان الخلق وجعل له القبول في الأرض. والشقي من أفسد ما بينه وبين الله ومن فعل ذلك أفسد الله ما بينه وبين الناس وألقى بغضه وذمه على لسان الخلق وجعل له الجفاء في الأرض.

الرابعة: شرع الله لابن آدم وأمره بفعل ما يمحو السيئات بفعل الحسنات كما قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ).
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أذنب عبد ذنبًا فقال ربي إني عملت ذنبًا فاغفر لي فقال الله علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي ثم أذنب ذنبًا آخر..إلى أن قال في الرابعة فليعمل ما شاء) وقال الله عز وجل في معرض الثناء عليهم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ). يعني ذكروا عظمته وشدة بطشه وعذابه فاستغفروا من ذنوبهم ولم يستمروا على فعل المعصية.

الخامسة: الخلق الحسن من خصال التقوى ولا تتم التقوى إلا به. قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً). وقال: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاس). وروى مسلم في صحيحة قوله صلى الله عليه وسلم (البر حسن الخلق). وقال ابن المبارك: (هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى). ولحسن الخلق أنواع كثيرة منها: التواضع والجود والحلم والأناة والرفق والوفاء والصدق والنصيحة وأداء الأمانة والستر والإصلاح والرحمة وبر الوالدين والصلة والشجاعة والإيثار والعفو والبشر وطيب الكلام والعدل.
ولحسن الخلق فوائد ومزايا منها: دخول الجنة وتثقيل ميزان العبد وكمال الإيمان وقرب المجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وبلوغ منزلة رفيعة في الدين وزيادة العمر وبسط الرزق وكشف الكرب واندفاع النقم وكسب محبة الخلق في الدنيا. قال صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وكان عليه السلام رفيقًا بأهله وولده كما قال (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي.

هذه الأخلاق وهذه الفضائل مَن يعلمها لأبنائك؟ طريق الجنة من يسهِّلها لأولادك. مَن يرشدهم إليها؟
إنه دورك أيها الأب ودورك أيتها الأم فكونوا خير معطي لتجنوا ثمار التربية في الدنيا والآخرة، علموهم القرآن ليلتزموا آدابه وأخلاقه.

02

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة