وقع الكلمات في تفسير الذات

تاريخ النشر: 04/04/15 | 10:05

تتساءل الكلمات في كينونة حروفها، أهي مخلوق بروح أم مجرد أجزاء عِبرٍ تناقلها أجدادنا عبر الزمان ليرثها كلّ البشر؟ فكلّ يوم تترنم أسماعنا بجمل وتعابير شهد عليها الدهر وخطّت في دفاترٍ وكتب ليصوغ منها المؤلفون مواضيع ومواضيع… فتنتج المجلدات التي تزداد قيمتها كلما زاد عددها وعظم فحواها. ويبرز الشعراء الذين يتلفظون بأجمل الكلمات لتبدو كعقد لؤلئي لامع يتوافد اليه الكثيرين ليروا جماله الأخاذ.
وفي بعض الأحيان نلتفت الى نسوة يتبادلن أطراف الحديث لتحكى قصص وروايات عن الآنسة الهام أو السيدة عنايات أو عن ابن الجيران الذي أزعج جاراته بصراخه الذي يتعالى في أرجاء الحارة ليتسلل الى البيوت دون استئذان…
هناك في احدى الزوايا يجلس ذلك الرجل العجوز الذي فقد صوته ليكمل مشوار حياته أخرسا لا يحكي الحكايات ولا يقول الشعر أو يتبادل الكلمات فهو جالس في ركن بعيد ينظر الى المارة بابتسام تجده أحيانا يتناول الطعام او يحتسي كاسا من الشاي فكم أغبطه لاني ارى في عينيه ذلك الرضا الذي يجعله يتمتع بكل ما يقوم به فهو لا يملك الكلمات ولكنه أسعد بكثير من أولئك الذين يملكون الكلمات ويتاجرون بها، فابتسامته الوادعة ونظراته البريئة تحمل أجمل الكلمات المغلفة بغلاف الصمت الشائق الجذاب، ما أجمله من صمت وما أجمل أجواءه حين يكون في مناخ النقاء ذو النوايا الحسنة حيث تصدر أصواتا يعمها الخير والعطاء بدون ازعاج أو ضرر لأي شخص كان.
فتلك المفارقة ما بين من يملك نعمة الكلام والتعبير فيجعلها نقمة لا نعمة تبث خبثا، مغيبة ونميمة لتكون سهاما سامة تطعن في أجساد الآخرين لتوصل مركبا جديدا حزينا في مياه عكرة سامة لا يصلح العيش فيها، فتغدو تلك الكلمات، سيئات خبيثات يأكلن من لحوم البشر حتى يبطشن بكل ما اوتين من قوة فنسيان النعمة وتجاهلها أدى الى أن يسيئوا استخدامها وتداولها لتمسي جيفة متروكة في أرض يابسة مهجورة.
ويفوح عطر جميل من كلمات طيبات ليس لها مثيل، للتشجيع ما لها بديل وبالحب تهدى لكل حبيب وقرين، سماعها يشنّف الآذان وأنغامها تطرب كل انسان فالكلمة الطيبة صدقة تقال لتسعد الآخرين وترسم البسمة في وجوههم ليكونوا في حياتهم سعيدين، فرحين ومرتاحين. نرى صداها في وجوه التلاميذ عند تشجيع معلميهم لهم بكلمات خفيفة على اللسان ولكنها ثقيلة بالميزان وكلما ردّدت لاولئك الطلاب رفعتهم الى حيث التميز والتالق في سماء النجاح والفلاح، وما أجمل ابتسامة الرفيق أو الصديق عند سماعه لتعبير ثناء أو جملة اطراء على عمل قام به فكيف بالبشر ان لا يسعدوا ويحبوا خير الكلام وكان الله من فوق سبع سماوات قد حث على الشكر فقال في كتابه العزيز ” لئن شكرتم لأزيدنكم ” كما أوصى رسولنا الكريم بضرورة الكلمة الطيبة وقال ” الكلمة الطيبة صدقة ” و” من لا يشكر الناس لا يشكر الله “.تلك هي الكلمات التي تسكن عالمنا لتكون نبراسا يضيء لنا الطريق الظلماء أو عتمة تحتل سبيلنا لتودي بنا الى بر الهلاك.

حنين أمارة

unnamed

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة