مجمع اللغة العربيّة يتوّج نشاطاته بمؤتمر ثقافي في حيفا

تاريخ النشر: 17/12/12 | 23:22

عقد مجمع اللغة العربية يوم السبت الماضي في مسرح الميدان في حيفا، مؤتمرًا ثقافيًّا خصصه لإصداراته لهذه السنة ولتكريم الشخصية الثقافية الأكاديمية البارزة، البروفيسور ساسون سوميخ وذلك احتفاء بتعيينه عضو شرف في مجمع اللغة العربية تقديرًا له على ما قدّمه للأدب العربي الحديث من دراسات وأبحاث قيّمة أغنت المكتبة العربيّة، توّجها بصدور كتابه “ملامح أسلوبية جديدة في الأدب العربي الحديث” ولتوزيع منح على طلبة الدراسات العليا للماجستير والدكتوراة.

تميّز المؤتمر بحضور لفيف من الكتّاب والأدباء ومحبي الثقافة واللغة العربية الذين حضروا من مختلف مدننا وقرانا العربية للمشاركة في هذا الحدث الثقافي الهام. برز من بينهم البروفيسور جورج قنازع، الأديب محمد علي طه، الدكتور نبيه القاسم، الشاعر رشدي الماضي، الشاعر نظير شمالي، الشاعر د. نزيه قسيس، الكاتبة عائدة نصرالله، الدكتور محمود أبو فنّة، الدكتور محمد صفوري، الدكتور جريس خوري وغيرهم.

وقد جرت وقائع المؤتمر في جلستين، الأولى: حول إصدارات المجمع لسنة 2012، والثانية: لتكريم البروفيسور ساسون سوميخ.

أما الجلسة الأولى فقد ترأسها وافتتحها بروفيسور مصطفى كبها بكلمة أشاد فيها بإصدارات المجمع، متمنّيًا للحضور قضاء وقت ممتع ومفيد في برنامج المؤتمر. ثم دعا الدكتور فؤاد عزام الذي ألقى محاضرة شاملة عن “شعريّة النصّ السرديّ- دراسة في أشكال الحبكة في روايات حيدر حيدر”، حيث وضّح د. عزام أن دراسته تتناول أشكال الحبكة في روايات هذا الأديب ضمن إطار الشعريّة، وكما يقول رومان ياكبسون فإنّ موضوع الشعريّة هو، قبل كلّ شيء، الإجابة عن السّؤال التالي: ما الذي يجعل من رسالة لفظيّة أثرًا فنيًّا؟ واعتبر رولان بارت الشعريّة علمًا للأدب. وأضاف: تأسيسًا على ذلك جاء اقتراحنا للحبكة باعتبارها جملة المركّبات التي تشكّل العمل القصصيّ من خلال التعالق الجدليّ فيما بينها، وهي: الزّمان، المكان، الشخصيّات، الأحداث، والراوي. هذا النموذج الخماسيّ هو منهج علميّ نحاول من خلاله فهم طبيعة العمل القصصيّ وطرائق اشتغاله من الداخل، وبالتالي فَهم الفكر الذي يستند إليه النصّ وبنائه، واستجلاء فكر الكاتب الذي يقف خلف بنياته. ثم تحدّث بإسهاب عن تطبيق هذا النموذج للحبكة، ورصد طرائق اشتغالها في قصص حيدر حيدر.

بعد ذلك تحدّث الدكتور حسين حمزة عن “معجم الموتيفات المركزيّة في شعر محمود درويش”. منطلقًا من ارتكاز تجربة محمود درويش الشعريّة على محاور أساسيّة تنعكس في المكان، التاريخ، الأسطورة، الدين، الأدب والرموز الذاتيّة، التي أبدعها لتصبح دالّة عليه، وعلى معجمه الشعريّ، مبيّنًا بأنه قام باختيار الموتيفات والرموز التي تشكّل تجربة “درويش” الشعريّة في جميع مراحل تطوّرها. كما تطرّق د. حمزة إلى الموتيفات الأكثر حضورًا في تجربة درويش من كلّ محور، وقد جاء ذلك بناء على اعتبارين: الأول، الحضور الكميّ للموتيف، سواء بقي هذا الحضور محتفظًا بدلالة واحدة أم طرأ تغيير على دلالته، وذلك نابع من فرضيّة أنّ تكرار الرمز أو الموتيف يدلّ على أنّه مكوّن هامّ في تجربة درويش الشعريّة. والثاني، الحضور النوعيّ للموتيف، فبعض الموتيفات برز في المراحل الأولى مثل موتيف “الصليب” ثمّ قلّ توظيفه في المراحل اللاحقة بشكل كبير. وخلص إلى القول: بأنه أعدّ حول ذلك معجمًا يراه يسهم في مساعدة الباحث في شعر درويش ودراسته، وقد يكون محفّزًا لأبحاث أخرى تعالج مشاريع شعريّة كبيرة في الشعر العربيّ المعاصر.

وفي جوٍ حضاري وإنساني خرج الحضور لقضاء استراحة أتاحت لهم فرصة مواصلة الحديث في شتّى الشؤون الثقافية والاجتماعية، امتازت بالكثير من المودّة والحيويّة. ثم انعقدت الجلسة الثانية التي رأستها وأدارتها باقتدار الدكتورة كلارا سروجي- شجراوي، فقدّمت نبذة عن حياة وأبحاث البروفيسور ساسون سوميخ الذي خصصت الجلسة لتكريمه تقديرًا له على ما قدّمه للأدب العربي الحديث من دراسات وأبحاث قيّمة أغنت المكتبة العربيّة، وقد شارك في هذه الجلسة البروفيسور محمود غنايم رئيس المجمع والبروفيسور سليمان جبران، رئيس لجنة الأبحاث والنشر، حيث تحدّث بروفيسور جبران عن ساسون سوميخ الباحث والإنسان بحميمية وارتجالية، فهنّأ باسم المجمع بروفسور سوميخ على عطائه المتميز، وقال:” لقاؤنا الأول كان في صيف 1970، في عرس المرحوم الشاعر حبيب زيدان شويري. ثم توقّف عند عدة نقاط تلخّص علاقته بسوميخ:

1) عودته من أوكسفورد 1968 بعد كتابته للدكتوراة عند مصطفى بدوي عن نجيب محفوظ – “الإيقاع المتغيّر”.

2) تشجيعه لي للانخراط في العمل الأكاديمي. لم أفكر في العمل في الجامعة يوما. كان حلمي تعليم اللغة العربية في مدرسة ثانوية.

3) استدعائي إلى جامعة تل أبيب اضطرني إلى مواصلة الدراسة في جامعة القدس، ثمّ الدكتوراة في تل أبيب بإرشاد سوميخ نفسه.

وصرّح بأنه تعلّم من سوميخ الكثير: طرح الأسئلة الصحيحة، قراءة النصّ والاهتمام بكل كلمة. لسوميخ طريقة ذكيّة وسريعة في اختبار الأدباء والكتب. طريقته في البحث تعتمد الذكاء أكثر من اعتمادها المثابرة. العين “العربية” + الفكر الغربي- الأدب العالمي. أما مقالاته فهي أساسيّات في فهم الأدب العربي الحديث بشعره ونثره.

تلاه رئيس المجمع البروفسور محمود غنايم، حيث قدّم محاضرة بعنوان: محطات في مسيرة ساسون سوميخ جاء فيها: ” أن تتحدث عن البروفسور ساسون سوميخ يعني أنك تتحدث عن الأدب العربي بشمولية تتجه طولا وعرضا، وتغوص في الأعماق، أعماق الأدب العربي: قديمه وحديثه.”

وأضاف: “لقد كتب سوميخ عن مختلف الأنواع الأدبية: القصة القصيرة والرواية والمسرحية والشعر والنقد، وتوجه إلى القارئ العبري لتعريفه بالأدب العربي ترجمة وكتابة، مثلما توجه إلى القارئ الأكاديمي والعادي. كما كتب عن الأدب الفلسطيني بأنواعه المختلفة في البلاد والشتات. وإذا أردنا التفصيل دخلنا في قائمة طويلة من الكتّاب والشعراء على مختلف ميولهم واتجاهاتهم وأجيالهم.

وقال: “إذا نظرنا إلى كتاباته بالمنظور التاريخي، فأعماله تعالج أدبًا يمتد على مدى أكثر من مائة وخمسين عاما، منذ بدايات القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا. وإذا كانت دراساته قد تركزت في بحث الأدب العربي الحديث فقد رفده فهم عميق للأدب الذي سبق هذه الفترة.”

المداخلة الأخيرة كانت للبروفسور ساسون سوميخ، صاحب التكريم: فقد تحدّث عن كتابه “ملامح أسلوبية جديدة في الأدب العربي الحديث” الذي صدر عن مجمع اللغة في هذه الأيام، مبيّنًا أن هذا الكتاب يضم أبحاثا كُتبت في العقود الأخيرة من القرن العشرين، ونشر عدد منها في مجلة الكرمل الحيفاوية، ومجلة الشرق الشفاعمرية. وأوضح: “بدا لي أن آن الأوان لنشر هذه الأبحاث في كتاب، لأن موضوعًا مشتركا يربط بينها، ألا وهو تطور المفاهيم والاتجاهات الأسلوبية في الأدب العربي خلال القرنين الأخيرين”، وأكّد بأنه يرى الأدب كفنّ لغويّ أولًا وقبل كل شيء. لذا فمن واجب الباحث الأدبي أن يلتفت إلى الجانب اللغوي للأدب حتى إذا كان اهتمامه الأساسي هو الأدب لا اللغة.

وأشار أن الأدب هو أكثر من نص لغوي، ففي المؤلَّف الأدبي نجد أمورا هامة كالمفاهيم النفسية والاجتماعية والفكرية وغيرها. ولكن دراسة النص من منظور مفصول عن اللغة غير كافٍ، فموهبة الكاتب تصل إلى القارئ عن طريق اللغة وحدها في أول الأمر. إنّ استخدام اللغة استخدامًا فنيا معناه أنك تنظر إلى الكلمة كأداة مركبة يخلق منها الكاتب عالمًا كاملا بطرائق مختلفة كالأيروني (التوتر المعنوي) والتأثير الصوتي والأضداد والتناص (intertextuality) وغيرها. وقد تكونت هذه المفاهيم العربية الجديدة نتيجة لانتهاء الانعزال الثقافي وتجدد الصلة مع الآداب والثقافات العالمية.

بعد ذلك قام الحضور بتقديم مداخلات وتوجيه أسئلة، أجاب عنها المحاضرون بإسهاب.

اختتم المؤتمر بتقديم منح دراسية على طلاب الدراسات العليا، قامت بتوزيعها الأستاذة خولة سعدي، عضو إدارة المجمع. وقد حصل عليها هذه السنة كل من الطلاب والطالبات: آثار حاج يحيي وأليف فرانش من طلبة الدكتوراة، وكل من منال حجازي، منى ظاهر، فادية زعبي، أماني علي هواري، سماح خوري وسحر دروبي من طلبة الماجستير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة