أي صَديقي أحْمَد !

تاريخ النشر: 14/11/12 | 22:29

“نص شعري وليس مرثية ، بل هو رجفة ألمٍ شديد لِرَحيل صديق”

أيْ صّديقي أحمد !

يا أخًا وابْنَ أمٍ ،

يا واحِداً مِنْ قِلَّةٍ اصْطَفَيْتُها لِصُحْبَتي ذاتَ زَمَنٍ

بَعْدَ عُمْقِ تَجرِبَة وَطولِ مِراس ،

آلَمِني كَثيراً ما هَمَسَ في أذُني صاحِبٌ ذاتَ أمس ،

قال مَوْجوعًا :

كُنّا خَمْسَةَ صَحْبٍ نتأمَّل الشمْسَ البَرلينيَّة كَعادَتِنا ،

كُلٌّ وِفْقَ بَصيرتهِ وبَصَرِهِ ،

وَنَرْقُبُ في حُزْنٍ صامِتٍ سأدِسَنا ، أبَدِيَّ الْعَطَش ،

وقَدْ حَملتْهُ أذْرُعُ خَفيَّة

لِتُسَهِّلَ عَوْدَتَه وقَبْلَ الأوان إلى رحمِ أمِّهِ التُّراب ،

وَباتَ أحْمَدُ ، سادِسُنا ، في لَحْظَةٍ كَمَنْ لَمْ يَكُنْ وما كان .

***

حَدّثَني ذاك الصّاحِبُ وَكانَ مَوْجوعَ النَّحيبِ والصَّدى

قالَ :

آلَمَ واحَدَنا ما كانَ وَوَقَع ، فبّثَّ صامِتًا بعْضَ وَجَعِه :

غريبٌ أمْرُ هذِهِ الشَّمْس

كُنْتُ أتحَسَّسُ دفء ضَوْئِها وفي وَمْضَةٍ كَفَّتْ عَنِ التَّطْوافِ في فضائِها وعَلى حينِ فَجْأةِ انْحَدَرَتْ غَرْبًا كَمَنْ يَبْحَثُ عَنْ غُروب ، فانحَجَبَ ضَوْءها وانحَسَرَ دِفْءُ إشْعاعِها .

قالَ الثّاني :

حَقًا أسْتَغْرِبُ ما حَدَثَ ، أصابتْني رَجْفَةٌ موجِعَةٌ ، فَكِدْتُ أفْقِدُ بَصَري وبَصيرَتي وباتَ غيمٌ شَديدُ الْعَتْمةِ يَحْجِبُ كُلَ وَمْضَةِ نورٍ عَنْ ناظِرَيَّ .

قالَ الثّالِثُ :

وأنا أصابني هَوَسُ سُؤالِ مَوْجوعٍ : أذاكَ غيْمُ حَقًّا ” فلمْ أتَشَمَّمْ فيهِ رائحَةَ حًبَيْباتِ مَطَرٍ ولا قَطَراتِ نَدى .

شَكا الرابِعُ مَحْزون الْكَلِماتِ وقال :

أكْثَرُ ما يُخيفُني جَفافُ نبْعَةِ وانْحِباسُ مَطر

وراحَ يَصْرخُ فينا صُراخَ مَحْزونٍ فَعاجَلتُهُ القوْلَ ناحِبًا ، وقَدْ أدْرَكْتُ هَوْلَ ما وَقَع ،

اخْتَفَتِ الأذْرُع حامِلَةُ سادِسِنا ، فانْهالَ تُراب ،

قُلْتُ في شِبْهِ هَمْس :

حَقّا ! موجِعٌ ما حَدَثَ وَكان

انحَجَبَت شَمْسٌ وانطَفَأَ نور

وانعَدَمَ مَطَرُ وَعَمَّ جَفافٌ

وعادَ سادِسُنا ، قَبْلَ الأوانِ إلى رَحْمِ أمِّهِ …

وَلَفَّنا ، خَمْسَتَنا ، تلك اللحْظَة ، صَمْتٌ ناطِق .

-أحْمَد بَهْجَت شاعِرُ فلسطيني وصديق مِن بلْدة طيرة الكرمل المُهجرة جارة حيفا ، وُلِدَ في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين قرب دمشق في 23 . 1 . 1958، ففي هذا المخيم عرف طفولته وصباه وذاق ألم الهجيح ومرارة التهجير القسري من الوطن . درس في جامعة دمشق في قسم الهندسة المدنية تمشيا مع رغبة أبيه ، بهجت عبد الأمين ، وكان حقيقة يرغب في دراسة الأدب واللغة العربية . وبعد انتهائه من دراسة الهندسة حقق حلمه الدراسي وبدأ يدرس الأدب في جامعة دمشق . وحين تقدم العمر به قليلا ودخل مرحلة جيل الشباب الثاني ، انتقل للإقامة في برلين وبدأ يهتمُّ بالنشاط الأدبي ، خاصةً في إطار ” منتدى الثقافة العربي ” . وفي برلين فارق الحياة ، في أواسط تشرين أول الماضي ، وكان أصيب ، قبل أشهر قليلة ، بمرض عضال ، لم يمهله طويلا ، فواراه الثرى البرليني جمع من صحبه . وأوصى قبل وفاته أن تطبع مجموعته الشعرية في حيفا ، عروس الكرمل التي كان يرى فيها مسقط رأسه .طاب ذكره .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة