الشركس

تاريخ النشر: 29/10/12 | 10:19

الشركس هم من شعوب القفقاس القدماء الذين سكنوا في شمال غرب القفقاس منذ عصور قديمة جدا، وبالأخص في دولتهم التي سميت (اديغايا) التي على ضفاف نهر الكوبان الواسع والسريع، على شاطئ البحر الأسود في جنوب روسيا.

اصل الشركس

الشركس هم شعب ذو طابع اثني وثقافي خاص، يتحدثون لغتهم الشركسية، وأطلق عليهم اسم (الشركس) من قبل الشعوب المجاورة: الروس، الترك والتتار. والبعض يقول ان الاسم اطلق عليهم من قبل اليونانيين فتبناه الآخرون. اما هم فيسمون انفسهم (أديغة)، ولغتهم هي اللغة الأديغية. في الواقع، يطلق اسم الشركس على كل الشعوب التي سكنت شمال القفقاس، وهم: الشيشان، الأينغوشبون، البلقازيين، الاوسيتيين، الأبازة، الأبخازة والأديغيين (الذين أتحدث عنهم في هذه المقالة، وسأسميهم باسمهم المعروف اكثر الشركس).

يقال ان الشركس ينتمون الى الحيطيين القدماء، الذين أسسوا دولة كبرى في آسيا الصغرى في الألفية الثانية قبل الميلاد، وقد توسعوا واحتلوا اراض كثيرة حتى وصلوا الى الحدود المصرية. وكانوا من اكثر الشعوب قوة ورباطة جأش.

الديانة

دخل الشركس في الاسلام حوالي عام 1717، بعد ان كانوا مسيحيين، بتأثير من الدولة العثمانية التي نشرت الديانة الاسلامية بين شعوب القفقاس.

الهجرة من القفقاز

أعلنت روسيا الحرب على القفقاس عام 1557 وأرادت احتلال هذه الأرض للإستفادة من طيباتها، وكانت تطرد سكان الأراضي التي تحتلها او تجبرهم على الهجرة.

بعد حروب طويلة احتلت روسيا القفقاس وابرم اتفاق بين روسيا والدولة العثمانية عام 1857 لتشجيع هجرة الشركس الى الدولة العثمانية. فقد أرادت الدولة العثمانية تجنيد الشركس في جيشها لاستخدامهم في حروبها، لكونهم محاربين اقوياء اصحاب خبرة كبيرة اكتسبوها من حروبهم الكثيرة.

بدأت الهجرة خلال اعوام 1865-1862 وجرت بواسطة سفن انجليزية وفرنسية وعثمانية جهزت لهذه الغاية لنقل المهاجرين الشركس الى المناطق التي وعدت لهم من قبل الدولة العثمانية.

خلال عمليات الهجرة مات الآلاف من المهاجرين بسبب الجوع والأمراض المختلفة التي المّت بهم. وكان المسؤولون في السفن يرمون المرضى الذين لا امل في شفائهم الى البحر خوفا من انتشار الأمراض. وهكذا تعرض المهاجرون الى العذاب والمعاناة والأذى الكبير الذي لحق بهم بسبب التهجير. ويقدر عدد الذين وصلوا الى اراضي الدولة العثمانية اكثر من مليون نسمة، بعد كل الصعوبات والمصائب التي تعرضوا لها خلال الهجرة.

ثم توقفت الهجرة بعد ان علم الشركس بالمعاناة الكبيرة التي أصابت ابناء شعبهم بسبب الهجرة، والضائقة الإجتماعية والإقتصادية التي حلت بالمهاجرين. وبعد ان اتّضح للمهاجرين ان وضعهم يزداد سوءا يوما بعد يوم، قرر كثيرون منهم العودة الى ارض وطنهم، رغم الصعوبات الكبيرة التي واجهتهم من قبل الروس، حيث طلبوا من كل عائلة شركسية عائدة الى القفقاس تغيير ديانتها الى المسيحية.

أسكنت الدولة العثمانية الشركس في المناطق التي شهدت الحروب حتى يشكلوا حماية ضد حركات التمرد في الدولة العثمانية.

الشركس في فلسطين

وصل الشركس الى فلسطين في زمن الحكم العثماني عام 1878 من منطقة مارفيل الواقعة على الحدود اليونانية البلغارية، حيث سكنوا هناك منذ عام 1865 اثر تهجيرهم من وطنهم القفقاس. وبعد الهزائم الأوروبية التي لحقت بالدولة العثمانية اجبروا على الهجرة مرة أخرى فانتقلوا الى دول الشرق الأوسط ومنها فلسطين.

أقيمت على ارض فلسطين ثلاث قرى شركسية في زمن الحكم العثماني هي: (كفر كما) في الجليل الأسفل، التي تبعد عن طبريا حوالي 20 كم، (الريحانية) في الجليل الأعلى التي تبعد عن الصفد حوالي 15 كم، و(خربة الشركس) في الخليل التي هُجرت.

سكان كفر كما الذين استوطنوا في الجليل الأسفل ينتمون الى قبيلة (شابسوغ)، احدى القبائل الشركسية الكبيرة.اما قرية الريحانية في الجليل الأعلى فقد أقيمت عام 1881 على يد المهاجرين الشركس الذين كانوا ينتمون الى قبيلة (أبزاخ)، قبيلة شركسية قديمة، وأطلق اسم الريحانية على القرية نسبة الى نبات ذي رائحة عطرة كان ينمو بالقرب من القرية.

اما قرية (خربة الشركس) فقد سكن فيها حوالي 400 نسمة وقد غادرها سكانها بسبب انتشار الأمراض في المنطقة، وهي لم تعد موجودة اليوم.

كفر كما

لدى وصول المهاجرين الشركس، كان المكان خربة صغيرة وفيها مواقع اثرية من الزمن الروماني والبيزنطي. فبنى الشركس بيوتا لهم من الحجارة التي وجدت في المكان، وهذه العملية استغرقت عاما بالتقريب، وقد سكنوا خلاله في القرى العربية المجاورة. ثم انتقلوا للعيش في قريتهم التي سموها (كفر كما) نسبة الى اسم المكان الذي بنيت عليها القرية.

لدى استوطانهم على ارض كفر كما، قبيل الاستيطان اليهودي في الجليل الأسفل، وجدت قرى عربية كثيرة في المنطقة سكن فيها عرب من الفلاحين، المغاربة، البدو وآخرين. وكانت كفر كما هي اكبر قرية من بينها حتى اصبحت مركزا تجاريا وزراعيا يخدم اهالي المنطقة بأكملها.

عمل الشركس في كفر كما في الزراعة والحراسة والخدمة العسكرية في الجيش العثماني، ولاحقا في جيش الإنتداب البريطاني. عمل كثيرون منهم في حراسة الممتلكات، وعندما اقيمت المستوطنات اليهودية في الجليل الأسفل استخدمهم اليهود للحراسة، فاشتهروا بشجاعتهم العالية وجرأتهم واخلاصهم وحسهم العالي بالمسؤولية في عملهم.

عاش الشركس جميع الأحداث التي جرت في فلسطين منذ استقرارهم فيها، وبالنظر لقلة عددهم كان شأنهم في أحداث البلاد صغيرا جدا، لم يتجاوز العلاقات القائمة بين قراهم والقرى العربية المجاورة. فصلات الود او النزاعات بينهم وبين الفلسطينيين العرب لم تختلف عما كان قائما بين أي قرية فلسطينية واخرى. وكانت الروابط الدينية والإسلامية تشدهم الى اهل البلاد العرب، اضافة الى تشابه نمط المعيشة الزراعية الرعوية الذي كان يمارسه الشركس والعرب.

حافظ الشركس على علاقات طيبة مع جيرانهم في القرى العربية واليهودية. وكان من عادتهم مرافقة ضيوفهم الى بيوتهم في القرى المجاورة لدى مغادرتهم. وكانوا يقدمون العون والمساعدة لسكان المنطقة، وبدأوا يتعلمون لغات جيرانهم: التركية والعربية، والعبرية بعد قيام دولة اسرائيل. مع ذلك، فقد حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم الخاصة ولم يختلطوا مع الشعوب الأخرى وحافظوا على طابعهم القومي الخاص.

الشركس اليوم في دولة اسرائيل

يقدر عدد الشركس اليوم في دولة اسرائيل بحوالي 5000 نسمة. منهم 3200 من سكان قرية كفر كما. الشركس هم اقلية قومية ذات طابع اثني وثقافي خاص، مع نزعة واضحة للانخراط في تطور المجتمع دون الاندماج في سكان المنطقة من الشعوب الأخرى.

هم مسلمون وعلاقتهم مع دينهم وثيقة، فلباسهم محتشم، لا تباع الخمور في محالهم ولا تشرب في بيوتهم، ويرسلون زكاة اموالهم الى اخوتهم الشركس في القفقاس وتركيا والشيشان، كما يقومون بحملات الاغاثة لاخوتهم المسلمين في قطاع غزة والضفة الغربية.

منذ قيام دولة اسرائيل طرأت تغيرات كثيرة في المجتمع الشركسي. كثير من شباب الشركس خرجوا من القرية لإكمال دراستهم في القرى والمدن القريبة، وللعمل في مجال الصناعة او البناء، واكتسبوا قيما اجتماعية وثقافية غيّرت من نمط التفكير والمبنى الإجتماعي للمجتمع. كما خرجت بضع عائلات من القرية وسكنت قرب أماكن العمل وانخرطت في المجتمع المحلي في أماكن سكنها الجديدة، دون اضاعة ارتباطها الوثيق بقريتها.

ويحافظ الشركس على هويتهم القومية الخاصة، على لغتهم وعلى عرقهم فيرفضون الاختلاط بالشعوب الأخرى عن طريق الزواج، لذا يكون الزواج داخل المجتمع فقط، الا في حالات قليلة.

الخدمة العسكرية

عند اندلاع الأحداث بين العرب واليهود في البلاد احتار الشركس حيال موقفهم من الأحداث. فقد أرادوا الحفاظ على علاقتهم الطيبة مع القرى اليهودية المجاورة، وفي ذات الوقت كانت علاقاتهم مع العرب في القرى العربية المجاورة جيدة. ونظرا لكونهم اقلية صغيرة في بلد غريب بعيد عن وطنهم، قرروا بعد اجتماعات ونقاشات كثيرة عدم التدخل في الصراع الجاري، ورفضوا طلب العرب منهم الهجوم على المواصلات اليهودية في الشارع الذي يمر جنوبي القرية، وذلك حفاظا على علاقاتهم الطيبة مع القرى اليهودية المجاورة، ونظرا لاعتقادهم، بعد تشاورات مع كبار العسكريين الشركس في الجيش الأردني، أن دولة اسرائيل ستقوم لا محالة. ثم أقاموا حراسة على الشارع، الذي يعتبر الشارع الوحيد المؤدي الى منطقة مرج الأردن، لمنع أي هجوم على المواصلات التي تعبر الشارع.

وفي آب 1948 جنّد الشركس في جيش الدفاع الإسرائيلي، وبالمقابل تقرر منحهم الحماية من أي هجوم، وعدم مصادرة املاكهم والسماح لكل شركسي كان يقيم في القرية خلال فترة الإنتداب البريطاني وغادرها خلال الأحداث بالعودة الى القرية والتمتع بكامل الحقوق شرط ان يقوم بواجباته تجاه الدولة. وبذلك أصبحت الخدمة العسكرية اجبارية على شباب الشركس في دولة اسرائيل.

هذا الأمر اثار وما زال يثير جدلا في القرية، حيث اعترض البعض على خدمة الجيش الإسرائيلي في حروبه ضد العرب المسلمين. ومع اصرار البعض على عدم الخدمة في الجيش، وبخاصة المتدينين منهم، وافقت ادارة الجيش على اعفاء شخص واحد من كل قرية شركسية سنويا من الخدمة الاجبارية، وشكلت لهذا الغرض لجنة باسم “اللجنة الدينية”. بعدها ارتفع العدد الى اثنين ثم الى اربعة، وفي السنوات الأخيرة يتم اعفاء أي شخص يرغب في عدم الخدمة حيث يقوم بتقديم طلب خاص بالإعفاء وغالبا ما تتم الموافقة على هذه الطلبات بعد مماطلات قد تصل لمدة اربع او خمس سنوات.

التعليم

عند قيام دولة اسرائيل كانت اللغة العربية هي لغة التدريس في مدرسة كفر كما. وبعد قيام الدولة العبرية بسنوات عدة تغير ذلك لتصبح لغة التدريس هي اللغة العبرية، وذلك لاعتبارات كثيرة منها: تسهيل عملية ادماج الطلاب الشركس في المدارس العبرية الثانوية التي ينتقلون اليها بعد الصف التاسع.  وقد اثار ذلك جدلا كبيرا وعارضه الكثيرون، حيث رأوا اهمية اكثر لتعلم اللغة العربية التي هي لغة دينهم. والآخرون رأوا ان اللغة العبرية هي اللغة الأهم لتعلمها لأنها لغة الدولة التي يعيشون فيها، اللغة التي سيكمل بها الطلاب الشركس تعليمهم خارج القرية، اللغة التي سيتحدثون بها في اماكن عملهم خارج القرية وفي المؤسسات الرسمية الخ… كما انها لغة التدريس في الكليات والجامعات في البلاد وهي اللغة التي يجب على جميع مواطني الدولة معرفتها دون استثناء.

في القرية توجد مدارس ابتدائية واعدادية . وبعد انهاء الصف التاسع يكمل معظم الطلاب والطالبات دراستهم في مدارس عبرية وبعضهم الآخر في مدارس عربية في المنطقة . في السنوات الأخيرة يلاحظ ازدياد عدد الطلاب الذين ينتقلون الى المدارس العربية، حيث يحرص أهاليهم على تعليمهم اللغة العربية لأسباب دينية، وبعضهم ينقلون أبناءهم الى المدارس العربية منذ الصغر حتى يتمكنوا من اللغة بشكل أسرع، وخاصة ان مستوى تعليم اللغة العربية في مدرسة القرية تدهور كثيرا في السنوات الأخيرة بسبب الإهمال. ويمكنني القول هنا ان الأغلبية الساحقة من سكان القرية لا يعرفون اللغة العربية جيدا، بعضهم لا يعرفها نهائيا، والبعض الآخر يعرفها قليلا جدا. ولكن هناك نسبة أخرى صغيرة يعرفونها قراءة وكلاما ويحبونها ويفرحون بذلك لأنها تسهل عليهم الاتصال مع جيرانهم العرب كما تمكنهم من فهم دينهم أكثر.

عادات الزواج

للشركس عادات خاصة فيما يخص الزواج. فالشبان والشابات يتعرفون على بعضهم البعض في نطاق المدرسة والقرية، حيث يسمح لهم بالمكالمة خلال الهاتف ويلتقون مع بعضهم البعض حسب العادات والتقاليد التي لا تسمح بالخروج معا ولا الجلوس داخل البيت ولا اقامة علاقات جسدية، انما يكون اللقاء في حديقة البيت حيث يأتي الشاب اليها فيتحدثان دون الإختلاء. واثناء زيارته لها لا يتكلم مع احد من اهلها، واذا حصل وتزامن دخول الأب مع وجود الشاب في الحديقة فإنه يخرج حتى يدخل الأب الى البيت ثم يعود. وتعتبر الأعراس من أهم المناسبات التي يتم فيها التعارف واللقاء من بعيد، حيث يلتقي فيها الشبان والشابات في الرقص الشركسي بالطريقة الخاصة بالأعراس.

العلاقة بين الشاب والشابة تكون معروفة للأهل وللجميع، ويتفق الشاب والشابة بينهما على الزواج ثم يخبران الأهل ثم يتم الإتفاق على موعد عقد القران والزفاف. وقبل موعد عقد القران بأسبوع يذهب بعض أقارب الشاب (دون الوالدين) الى بيت الشابة كشكل من اشكال الخطبة، وهو مجرد اجراء لا بد منه لأن كل شيء يكون معروفا ومرتبا للعرس في ذلك الحين.

في العادة يكون عقد القران في يوم ثم بعد ايام يكون الزفاف. واحيانا يكون الاثنان في نفس اليوم، حيث يعقد القران صباحا ثم يكون الزفاف مساء نفس اليوم.

اما بالنسبة لسكن الزوجين فيكون حسب ما يتوفر لديهما. غالبا يساهم اهل الشاب في توفير مكان للسكن في طابق منفرد في بيتهم، واحيانا اخرى يكون اهل الشابة هم من يجدون لهما مكانا للسكن لديهم في طابق منفرد، وان لم يوجد فيستأجران بيتا او مسكنا في القرية.

وفي ازمنة ليست بعيدة، كان اسلوب الخطف متبعا ومنتشرا في القرية، حيث كان الشاب “يخطف” الشابة بالإتفاق معها، وبوجود امرأة اخرى من اقاربه، فيأخذها الى بيت احد اقربائه. وفي الطريق يطلق ثلاث طلقات نارية بما يعني حصول خطف. ثم يخبر اهلها بان ابنتهم بأمان وانه “خطفها” ليتزوجها. وهذا الأسلوب في الزواج كان يلجأ اليه الشاب في حال رفضه اهل الشابة للزواج من ابنتهم. اما اليوم فلم يعُد هذا الأسلوب موجودا، وربما يدل ذلك على قلة تدخل الأهل بين الشاب والشابة المتفقين على الزواج.

بقلم حوا سكاس , كفر كما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة