القاضي الطيب المتعنت والطفل البريء المدلل

تاريخ النشر: 13/02/15 | 13:58

هناك ذات زمن …. طفل بريء مدلل لا هم له سوي المرح … تعود أن لا ينفذ أمرا دون أن يقتنع وتعود أيضا للأسف أن تكون جميع رغباته مجابة!!
ذات يوم وعيناه تتجولان في ذاك العالم وجد حديقة غناء … فتملكه الفضول ليدخلها … فدخلها فرأى أشجارا وارفة وشجيرات تنمو … وبينها الكثير من الحشائش الضارة … ساءه منظر تلك الحشائش فأراد أن يجتثها … ففكر مليا ماذا يفعل …. فوجد الحل …. فبدأ بغرس بذيرات لزهور ملونة وسط تلك الحشائش لتكتسب منها ألوانها وتتعايش بسلام معها.
وفعلا بدأ ذاك الطفل العمل فإذا بقاض كان قد وُكّل بأمر الإهتمام بتلك الحديقة وأشجارها … أبهره ما يقوم به ذاك الطفل وأخذ يراقبه من بعيد.

ذات يوم استدعى القاضي ذاك الطفل وعرض عليه في أن يعينه على الإهتمام بأمر تلك الحديقة لتصبح ملونة بأزهارها لتغطي تلك الحشائش الضارة وتكسبها رونقها …. تحمس الطفل لتلك الفكرة ووافق عليها بدون تردد بعد أن كان شعر بأن تلك الحديقة هي ملجأه بعد أن حاصرته الوحدة برحيل من يحب … فأكمل الطفل طريقه في غرس البذور وسقيها وتقليم ما أزهر منها ليل نهار … واكتسب محبة جميع رواد الحديقة الذي دفعه لغرس المزيد لتصبح الحديقة أجمل.

بعد شهر وعدة أيام كانت الحديقة تكتنف الكثير من الزهور الملونة المتعايشة مع الحشائش الضارة بأمان وحب وأكسبتها الكثير من بهائها … وكان القاضي فرحا جدا بتطور الحديقة وزاد تقديره لذاك الطفل وغيره من الناضجين الذين لم يألوا جهدا في تطويرها وتفرغ بشكل أكبر لأعماله بعد أن وجد من يستطيع الإهتمام بتلك الحديقة وروادها.

أصبح الطفل فخورا بحديقته مثلما أصبح يسميها فأصبح يديرها مثلما يريد بمشورة بقية القائمين بأعمالها فكانت الأمور تسير بسلاسة … وكان الجميع سعيدا .

ذات يوم جاء القاضي وأصدر قرارا أنه لا يمكن لأي من القائمين بأعمال الحديقة أن يمنحوا أية زهرة اهتماما خاصا مهما تكن فوائدها دون إذنه وهو فقط الذي سيقرر أية زهرة يجب أن تمنح الإهتمام الخاص!!!
ساء الطفل ذاك القرار ولم يناقش …. وكان ذاك الطفل قد عرض على القاضي منذ فترة أنه سيقوم بغرس كل أسبوع زهرة فوائدها كبيرة على الحديقة وروادها فبارك القاضي ذاك الأمر وأصبح يبارك منح تلك الزهور الإهتمام الخاص لما لها من فائدة للجميع والتف حولها الكثير وباركوا الأمر.
أبصرت النور الزهرة الأولى وابتهج بها الجميع وكذلك الثانية …. فحين غرست الزهرة الثالثة بدأ الطفل منحها الإهتمام الخاص كالمعتاد أسوة بمن قبلها، فتفاجأ بأمر القاضي الذي يقضي بمنع الإهتمام الخاص بها !!!
غضب الطفل الذي لا يعرف ما يدور في ذهن ذاك القاضي … وبدأ يحدث نفسه كيف له أن يفعل ذلك بعدما كان هو من وافق منح هذه الزهور الإهتمام الخاص؟ … لماذا أمر بذلك ولم يناقشني؟
اتجه الطفل للقاضي وسأله عن سبب تصرفه.
فرد عليه: سأقوم باقتلاع أية زهرة ستخص باهتمام أكبر قبل استئذاني !!!
أجاب الطفل بحزن: ألست أنت من سمح بذلك قبل عدة أسابيع؟
فتجاهله القاضي ومضى في حكمه … حزن الطفل كثيرا وحاول أن يحاور القاضي فرفض ذلك قطعا …
و بعد حين رد عليه القاضي بقوله: سنمنحها الإهتمام ولكن ليس الآن!!!
أجاب الطفل: لماذا؟ … وأيضا تجاهل القاضي سؤال الطفل.
استاء الطفل كثيرا من تعنت القاضي وأحكامه كأنه يحكم على متهم ويجب تنفيذ الحكم دون نقاش … فكيف لطفل تعود أن تجاب جميع رغباته أن يتقبل أن لا تنفذ رغبته؟ …. كيف لطفل تعود أن لا ينفذ دون اقتناع أن يتقبل تنفيذ أمر لا يفهم مغزاه؟
قرر الطفل أن لا ينصاع للأمر لأن القاضي هو من كان يبارك هذا الأمر والان يرفضه دون مبرر أو نقاش يقنعه … فعاد الطفل ليحظ تلك الزهرة باهتمام الحديقة الخاص … فغضب القاضي الذي ساءه أن يخالف طفل رأيه فارتأى أن يقصي الطفل بعيدا عن أمر الإهتمام بالحديقة لأنه خالفه الرأي ولم ينصاع لأمره … حزن الطفل الذي كان قد طالب منذ فترة أن يعفيه القاضي من أمر الإهتمام بالحديقة فرفض القاضي متعللا أنه لا يستطيع الإستغناء عنه.

بعد مسيرة شهرين أو أقل من اهتمام الطفل الدؤوب بتلك الحديقة التي يعشقها يأمر القاضي أن يُقصى عنها لأنه خالف أمره الغير مقنع لطفل لم يعتد أن ينفذ دون قناعة.

بعد أن سكت غضب القاضي الذي ربما يكون شعر بالندم لتسرعه … عاد للطفل يسائله أن يعود للحديقة كالسابق أو يعود لغرس الزهور في حدائق أخرى فرفض الطفل ذلك وقرر أن يرحل بعيدا حتى تكبر مدارج أفلاك معارفه وينضج فكره … فلربما حينها سيعود ذات يوم مجددا ليهتم بحديقته التي يعشقها.

03

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة