الراعي الكذاب
تاريخ النشر: 24/02/15 | 12:28كان هنالك راعٍ للأغنام في إحدى القرى. وكان هذا الراعي طيّبَ القلبِ، بشوشَ الوجهِ، يحبُّ أهلَ قريتِه، ولا يقصِّرُ في خدمتِهم, ولكنه كان مُبتلى بصفة ذميمةٍ جداً، وهي الكذبُ.
كان يقصُّ على منْ حوله أحاديثَ وحكاياتٍ شائقةً مسلِّيةً على أنها حقيقيةٌ, وأنها قد وقعت لأناسٍ بأعيانِهم, ولكنها جميعا كذبٌ، ولا أصلَ لها من الصحة، ولا وجودَ لأصحابها أصلاً.
كان هذا الراعي يحبٌّ الدُّعابةَ والمزاحَ، ويريدُ تسليةَ الناسِ, وإدخالَ السرورِ والبهجةِ إلى قلوبِهم. وكان يحسبُ أن ذلك من التسلية والدعابةِ, إذا راجعه أحدٌ، أو اكتشف عدمَ صحةِ ما يقولُه؛ يجيبُه ضاحكاً :
– كنتُ أمزحُ معكم.. ألا تحبُّون المزاحَ؟
قال له شيخُ القريةِ أكثرَ من مرَّةٍ :
– أنت رجلٌ طيِّبُ القلبِ، ولكنك تخلطُ بين المزاحِ والكذبِ ولا تميّزُ بينهما. المزاحُ يا بنيَّ لا يعني قلبَ الحقائقِ، وتزييفَ الأمورِ، واختراعَ أشياءٍ لا وجودَ لها ونسبتَها إلى أناسٍ معينين. المزاحُ دعابةٌ بريئةٌ لإدخالِ التسليةِ والمرحِ على النفوسِ, ولكنه حقٌّ لا تزييفَ فيه. وقد كان رسولُ اللهِ – صلّى اللهُ عليه وسلَّم- يمزحُ, ولكنه لا يقولُ إلا حقاً. وأما الكذب فخَصلةُ ذميمةٌ جداً, وهي من علاماتِ النفاقِ كما قال رسولُنا الكريمُ عليه السلامُ.
ولكنّ هذا الراعيَ قد تعوّد على الكذبِ، حتى صار له طبعا. وما أكثر ما أيقظ جيرانَه وأصدقاءه من نومِهم داعيا إياهم أن يهبوا إلى نجدتِه لأنّ ذئبا كبيرا قد هجم عليه وعلى أغنامِه ! ويهبُّ الذين دعاهم بفؤوسِهم وعصِيِّهم وبما يملكون لنصرتِه والدّفاعِ عنه, ولكنّ هذا الرّاعيَ الكذّابَ يضحكُ عندما يراهم، ويقولُ لهم:
– ها.. ها..كنتُ أمزحُ معكم.. ليس هنالك ذئبٌ ولا غيرُه.
فيعودُ هؤلاء الناسِ إلى بيوتِهم مستاءين من هذا الكذبِ الثقيلِ الذي يسمِيه صاحبُه مِزاحاً.
فعل الراعي ذلك بأهلِ قريتِه عدَّةَ مرّاتٍ, وهم في كلِّ مرّةٍ يصدّقونه، ويهبُّون لنجدتِه, شهامةً منهم، ولِما عُرف به هذا الراعي من الطِّيبةِ ومساعدةِ الآخرين.
إلى أن كان يومٌ وهجم على الراعي وأغنامِه ذئبٌ حقيقيٌّ، فراح الراعي المسكينُ يستغيثُ، وينادي في الناسِ كما اعتادَ:
– يا جيراني.. يا أهل القريةِ! أنقذوني .. أعينوني..لقد هجم ذئبٌ ضخمٌ على أغنامي..
ولكن أحداً من أهلِ القريةِ لم يستجيبْ له؛ حسبوه يمزحُ كالعادةِ. وعندما خطر في بالِ أحدِهم أن يهُبَّ لمساعدتِه قال له آخرُ:
– اجلسْ يا أخي.. لا يوجدُ ذئبٌ ولا غيرُه.. أنت تعرفُ كذبَ هذا الرجلِ الذي يسمِيه مِزاحاً ومداعبةً..
وبقي الراعي يصيحُ ويصيحُ بأعلى صوتِه مستغيثاً، ولكن ما من مجيبٍ. لم يصدِّقه أحدٌ. كان كلُّ من يسمعُ صراخَه يقولُ لصاحبِه:
– لا تصذِّقْ.. إنه يمزحُ.. ألا تعرِفُه؟
وهجم الذئبُ على أغنامِ الراعي فأكلها, وكاد يفترسُ صاحبَها معها.
قصة جميلة تعيد الينا أيام الطفولة البريئة و ليالي الشتاء الحلوة ونحن حول ” الكانون” نصطلي او نشوي حبات البطاطا و الكستناء .كان التجمع حول مصدر التدفئة تحت جناحي الام نستمع الى هكذا قصص، وكما يقال” ريحة الام بتلم”. رحم الله امهاتنا اللواتي انتقلن الى دار الحق، و اطال في عمر من هن على قيد الحياة و متعهن بالصحة و العافية.