قيمة القرش
تاريخ النشر: 24/02/15 | 0:00كان” فهدٌ” ولداً كثيرَ الإسرافِ والتَّبذيرِ . يأخذُ من أبيهِ، الذي لم يكنْ يبخلُ عليه بشيءٍ، مصروفَه ثمَّ ينفقُه من غيرِ تفكيرٍ ولا روِيَّةٍ ، يشتري به ما هو في حاجةٍ إليه وما ليس بحاجةٍ إليه، يشتري كثيراً من الأشياءِ، و يلعبُ بها قليلا،ثم يلقيها بعدَ يومٍ أو يومين، وأحياناً بعد ساعاتٍ.
وكم نصحَه أبوه قائلاً له:
– يا يُنَيَّ.. حافظْ على قرشِك، ولا تُنفِقْه إلا في الضروريِّ اللازمِ..
فكان يجادلُ ويكابرُ قائلاً:
– وماذا في ذلكَ يا أبي، إني أحبُّ أن أشتريَ كلَّ شيءٍ..
فيقولُ له أبوه:
– شراءُ ما لا يحتاجُه الإنسانُ، ثم رميُه وعدمُ الاستفادةِ منه هو تبذيرٌ وإسرافُ، وقد حرَّمهما اللهُ تعالى، وشبَّهَ المبذِّرينَ بإخوانِ الشياطينِ من حيث كفرُهم بنعمِ اللهِ، قال تعالى: {إن المبذِّرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربِّه كفورا}.
ولكن فهداً يستمرُّ في المجادلةِ قائلاً:
– ولكني أشتري ما أشتهي يا أبي..
فيقولُ له أبوه:
– إنَّ شهواتِ الإنسانِ يا بُنَيَّ لا نهايةَ لها، ولا يجوزُ للمسلمِ أن يشتريَ ما لا حاجةَ له به، وقد قال سيِّدُنا عمرُ بنُ الخطَّابِ – رضيِ اللهُ عنه- لرجلٍ يعلِّمُه لأنه يريدُ أن يحصلَ على كلِّ ما يشتهي:” أو كلّما اشتهيتَ شيئاً يا رجلُ تريدُ أن تحصلَ عليه؟”
وكان ” فهدٌ” يهزُّ رأسَه مقتنعاً، ولكنه يعودُ إلى إسرافِه وتبذيرِه؛ إذ كانت شهواتُه تغلبُه دائماً.
رأى أبوه- وقد تعبَ كثيراً في تعليمِه وإقناعِه- أن يلقِّنه درساً بليغا يعلِّمُه من خلاله قيمةَ القرشِ، ومقدارَ الجهدِ الذي يبذلُه أبوه للحصولِ عليه، فقال له عندما بدأتِ العطلةَ الصيفيةَ:
– ما رأيُك يا فهدُ أن تساعدَ جارَنا أبا عبدِ الرحمن في حقلِه، وسيعطيكَ أجراً جيِّداً على ذلك، وبذلك تتسلَّى في الحقل، وتستفيدُ من وقتِك، وتكسِب مالاً تشتري به كلَّ ما تريدُ؟
أعجبتِ الفكرةُ فهداً، فوافقَ وذهبَ إلى حقلِ أبي عبدِ الرحمنِ ليعملَ معه، وأرادَ أبو عبدِ الرحمنِ- بالاتِّفاقِ مع أبي فهدٍ- أن يكونَ هذا العملُ درساً يتعلَّم منه فهدٌ قيمةَ القرشِ، وصعوبةَ الحصولِ عليه،فكلَّفه أبو فهدٍ بعملٍ شاقٍّ، حتى كانَ لا يدعُ له أيَّ وقتٍ ليستريحَ أبداً.
وعندما كانَ فهدٌ يتذمَّرُ محتجّاً ويقولُ:
– لقد تعبتُ يا عمِّي..
كانَ أبو عبد الرحمنِ يقولُ له:
– اتعبْ يا فهدُ اتعبْ ..لتحصلَ على المال يا ولدي لا بدَّ أن تتعبَ كثيراً كثيراً، لو تدري يا بُنَيَّ كم يتعبُ أبوك حتى يأتيَ بالمالِ، ويقدِّمَ لكم ما تحتاجون إليه، حتى تعيشوا بكرامةٍ وسعادةٍ..
يستغربُ فهدٌ؛ إذ لم يخطرْ هذا في بالِه يوماً. كان يحسَبُ أن والدَه يحصلُ على المالِ من غيرِ تعبٍ ولا جُهدٍ..
ويتابعُ أبو عبدِ الرحمنِ حديثَه قائلاً:
– ولذلك ينبغي أن تتعلَّمَ يا بُنَيَّ كيف تقدِّرُ قيمةَ المالِ، فلا تنفِقُه إلا فيما ينفعُ؛ لأن هذا عندئذٍ هو التبذيرُ والإسرافُ اللذان حرَّمَهما الإسلامُ..
قال فهدٌ:
– إنَّ هذا عينُ ما يقولُه لي أبي باستمرارٍ..
قالَ أبو عبدِ الرحمنِ:
– وصدَقَ أبوك يا بُنَيَّ؛ إنه لم يعلِّمْك إلا الحقَّ لتكون رجلاً يُعتمَدُ عليه..
من يومذاك تغيَّرت حالُ فهدٍ؛ صار يعرفُ قيمة القرشِ، ولا يضعُه إلا حيث ينبغي أن يُوضعَ..