لا شيء يعدلُ الوطن!

تاريخ النشر: 05/10/12 | 4:31

عدنا أمس من رحلة ممتعة ومفيدة تمحورت في الأساس في زيارة كلٍّ من إسطنبول وبورصة. صراحةً، فوجئنا بما شاهدناه ولمسناه من طبيعة ساحرة جذّابة؛ سهول وجبال خضراء، بحار ومضايق وشواطئ تعجّ بالحياة والحركة، آثار ومعالم أثريّة عريقة، نهضة معماريّة صناعيّة اقتصاديّة، نظافة ونظام وشوارع رحبة، وميادين تزدحم بالمركبات والمارّين والصخب!!

وقد رافقنا مرشد سيّاحيّ تركيّ يتحدّث اللغة العربيّة التي تعلّمها في دمشق، وقد لمسنا عنده روح الانتماء والاعتزاز لوطنه ولتاريخ بلاده منذ نشأة دولتهم وظهور الخلافة العثمانيّة وحتّى يومنا!

وكان اللافت للنظر أنّ مظاهر الانتماء والفخر للوطن وللتاريخ القومي، والاعتزاز بما أنجزه الآباء والأجداد لم تكن حكرًا على المرشد، بل تكاد تشمل جميع المواطنين – من كلّ الفئات – الذين تسنّى لنا الالتقاء بهم والتحدّث معهم، وهم يتّخذون من ماضيهم العريق رافعةً وحافزًا لتحقيق قفزة حضاريّة صناعيّة سياحيّة مميّزة!

في أثناء تجوالنا وتنقلنا في إسطنبول وفي غيرها من المدن التركيّة شاهدنا العديد من التماثيل لمؤسس الجمهوريّة التركيّة الحديثة (عام 1923) مصطفى كمال أتاتورك الذي يحظى بمكانة مرموقة وبالتقدير والاحترام من معظم المواطنين، والمؤسسات والمعاهد الكثيرة التي تحمل اسمه أكبر دليل على ذلك!

ومن “إنجازات” أتاتورك كان استبدال الأبجديّة العربيّة بالأبجديّة اللاتينيّة في كتابة اللغة التركيّة عام 1928 والدعوة لإيجاد كلمات تركية بديلة للكلمات العربيّة والفارسيّة التي كانت شائعة ومستعملة في اللغة التركيّة.

لا شكّ، إنّ هذه الرحلة – رغم امتدادها على ثمانيّة أيّام فقط – قد أتاحت لنا التعرّف على معالم البلاد وأهلها وما يتحلون به من صفات وعادات، وزوّدتنا بالكثير من الفوائد والمتعة في أعقاب زيارة المواقع والآثار المعماريّة والحضارية التاريخيّة العريقة (قصر دولما باهجة، الجامع الأزرق، متحف أيا صوفيا، قصر طوبقابي – قصر الباب العالي، الجسور المعلّقة على البوسفور وغيرها…) ، وشحنتنا بالذكريات الجميلة التي سترافقنا في مسيرة العمر، وكان لرفاق السفر الرائعين الودودين دور بارز في إضفاء المزيد من الهناء والسعادة!

ولكن، رغم الأجواء الحميمة لرحلتنا الموّفقة فإنّ نفوسنا تاقت للعودة للوطن، لمسقط الرأس، لمرابع الطفولة، لرائحة الزعتر والشومر، وللأحبّة وللأهل والأصدقاء، وكم كانت فرحتنا عارمة ونحن نحتضن الأبناء والأحفاد والحفيدات في بلدتنا العامرة وفي بيتنا الدافئ بالمحبّة والوفاء!

ورحم الله شاعرنا الخالد أبا تمام القائل:

نقّل فؤادك حيثُ شئتَ من الهوى – ما الحبُّ إلا للحبيب الأوّل

كم منزلٍ في الأرضِ يألفُه الفتى – وحنينُه أبدًا لأوّل منزلِ

‫8 تعليقات

  1. عزيزي وأخي الدكتور محمود أبو فنة ، ما أجمل واصدق هذا الشعور ، أن يطوِّف المرء العالم ويطلع على ما فيه من جماليات وجود ومجتمعات وأن يعمق في الوقت ذاته عشقه وحبه للوطن الذي وُلد وكبر فيه وأحبه منذ الصغر وعرف السعادة وحتى الشقاء بين جميل ناسه . ابراهيم مالك

  2. استاذي وعزيزي ابا سامي

    حياك الباري وجمل ايامك بالسعاده ودوام الصحه ان شاء الله – لا شك انفعالك وسرورك ملحوظ ولكن حسب رأيي هذاه الرحله رحله عائليه ولا حاجه للجمهور ان يرى صورك الشخصيه مع العائله الكريمه

    تحياتي

  3. أخي وصديقي الأديب إبراهيم مالك
    ليس هناك من هو مثلك يعرف روعة الوطن وجماله لأنّك
    كنتَ ولا زلتَ كثير التجوال والترحال!
    بوركتَ وسعدت!
    أبو سامي

  4. الفاضل كركر – شكرا لمرورك الدافئ ولملاحظاتك التي سآخذها
    بالحسبان في المستقبل!

  5. جميل جدا، اسطنبول جدا جميله والوطن اجمل، صور في غاية الجمال واشكرك لمشاركتنا بهذه المناظر الجميله.

  6. لأمل – ألف تحيّة لتعقيبك المفعم بالأمل والمودّة. لك شكري وتحيّاتي.

  7. تحية عطرة للاستاذ الكريم د. محمود ابو فنه .. جميل ان تتحدث عن جمال العالم وأن تشاركنا شعورك وانفعالك وأجمل من ذلك أنك تحب وتعشق وطنك فدمت ذخرا لهذا الوطن الذي هو الآخر يحبك ويخلص لك .. مع تمنياتي لك بطول العمر … المخلص لك

  8. العزيز أبو جلاء – دائمًا تعقيباتك دافئة مؤازرة. شكرًا ولك خالص الودّ والتقدير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة