تحديات علاج المجتمع المعاصر

تاريخ النشر: 01/01/15 | 16:20

تتعدد أشكال وسمات الواقع في مجتمعاتنا العربية بصورة كبيرة، ولكن هناك قواسم مشتركة كبرى تجمع بين مكونات الواقع في المشرق العربي والإسلامي، يمكن البناء عليها في تحليل المشهد العام والخلوص بتوصيات وتوجيهات للتعامل مع المهددات التي تعترض مساره والاستفادة من الفرص المتاحة أمامه.

الكبت السياسي، ومصادرة الحريات الفردية والجماعية، وقوانين الحجر على الإبداع، وواقع الواسطة والمحسوبية، وارتفاع نسب البطالة والبطالة المقنعة، ونسب الفقر والجهل، وعدم تفعيل الكفاءات والطاقات البشرية في المجتمعات العربية تكاد تكون ملامح المشهد العام فيه، وهي صفات تكفي الواحدة منها لوأد مجتمع، فكيف بها وقد اجتمعت لدينا!!

هنا نحن أمام مسارين لا ثالث لهما: أن ننتحب ونبكي، ونلوم ونبرر ونهاجم ونعصف بالكلمات والمسؤوليات، أو أن ننبري لعلاج هذه الوقائع بصمت ومسؤولية، بمعنى، أن نبدأ بعلاجها فرادى ومجتمعة.

الخطاب هنا للباحثين والإعلاميين، والكتاب والصحفيين، ومسؤولي مؤسسات العمل الأهلي غير الربحي، فإذا كنا نتفق على أن كثيراً من الدول والتشريعات مرتهنة للقوانين والسياسات والضوابط العالمية، فنحن من عليه أن يبذل الجهد والوقت والوسع لتحقيق نتيجة إيجابية في علاج هذا الواقع وتفادي استفحال الظواهر والآفات الاجتماعية القاتلة فيه، لا أن نعلق الواقع على شماعة فشل الحكومات والأنظمة وسياساتها الفاشلة.

لقد عشت في اسطنبول لسنوات، وتجولت بحكم عملي كإعلامي ومدرب في العديد من الدول العربية، ولا أكاد أستطيع وصف الفارق بين واقع تركيا وواقع العالم العربي، نتيجة ما أشهده من حراك جدي في تركيا القريبة منا جداً في عادات شعبها وظروفها السياسية وبين واقعنا العربي.

ميزة تركيا اليوم ليست اردوغان أو النخب السياسية أو الجانب السياحي، بل هي أنماط الحراك في المجتمع، وأشكال التنافس بين البلديات ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات والفعاليات الأهلية لتغطية الفراغات الموجودة في أداء الدولة.

فإذا أردنا أن نقارن بين الدولة التركية والمجتمع المدني فيها من حيث العمل والإنتاجية التواصلية مع المجتمع، نجد أن النسبة تكاد تصل ٧٠٪ للمجتمع المدني في مقابل ٣٠٪ للدولة، مع الأخذ بعين الاعتبار مساحة الدعم الحكومي لبعض المؤسسات الأهلية.

بينما في الواقع العربي، نجد البعد الواضح بين الساسة والعلماء، وبين النخب المفكرة الواعية وبين الحكومات، ونرى المجتمعات المدنية مقيدة معاقة عن الحركة بفعل عوامل السياسة الداخلية في دولنا العربية كافة.

ما معنى أن يكون لدينا من التيارات السياسية في عام ٢٠١٤ أكثر من ٣٧٠ حزباً سياسياً – هذا ما استطعت حصره بعد الثورات فقط -؟، وما معنى أن نمتلك أكثر من ٩٠ ألف مؤسسة مجتمع مدني؟ عدا عن مئات النقابات والاتحادات ونحوها؟!!

نحن لا تنقصنا الأسماء ولا المسميات، ولا ينقصنا وجود الكفاءات العقلية والفنية والخبراتية والتقنية، إن ما ينقصنا هو أن نجمع هذا بذاك، ونؤلف بين العقل والمؤسسة، وأن نسحب البساط من الأوقاف والمؤسسات الميتة لنضخ فيها دماء جديدة متحركة شبابية واعدة، تستطيع لوحدها قراءة الواقع في كل مجتمع، وإيجاد البدائل والحلول لإشكالياته الذاتية في ضوء العلم العصري والخبرات المكتسبة والوقائع المستجدة.

بقلم المستشار د. نزار نبيل الحرباوي

nezar7rbawe1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة