الإشاعة.. بداية الانهيار

تاريخ النشر: 31/12/14 | 13:37

صحيح أن الضغوط النفسية تتزايد على الفرد من خلال الوقائع المتتالية التي تعصف بالعالم العربي، ومشاهد العنف والكروب والأزمات، إضافة إلى تردي واقع الحريات العامة في بلادنا العربية وهبوطها نحو مستويات متدنية بحجج واهية، وصحيح أن المشهد يكتمل بالضغط الاقتصادي وتزايد أعداد البطالة والبطالة المقنعة في العالم العربي، إلا أن الخطأ الكبير، أن تتحول هذه الآفات الاجتماعية والاقتصادية إلى آفات نفسية تمس الفرد وتطال سلامة المؤسسة والمجتمع والنسيج الاجتماعي الفردي والعائلي والعام.

من خلال متابعاتي للواقع في وسائل الإعلام العامة والخاصة، وفي ثنايا بعض الأبحاث التي أقوم بها في الآونة الأخيرة، فقد وقفت على العديد من الشواهد التي تؤكد تزايد ظاهرة الشائعات في مجتمعاتنا العربية بصورة خطرة ومؤثرة.

الإشاعة التي أقصدها، هي المعلومات التي تبث بصورة منهجية وعفوية تجاه بعض الأفراد والتيارات والمؤسسات والشخصيات العامة والفنانين والأئمة والخطباء، بمعنى أنها تشمل المجتمع برمته، فالإشاعة المنهجية نلمسها واضحة في جهود الحكومات والدول والمؤسسات الموالية لها تجاه الخصوم في محاولة منهم لتشويه صورة الخصم والطعن في استقامته وعفته ونزاهته المالية ونحو ذلك مما يمس الفرد بذاته أو التيار المعارض بشخصياته القيادية.

وقد يقول قائل أن هذا الأمر طبيعي ومتعارف عليه على مدار عقود الكبت السياسي الذي نعيشه، وأنا أتفق معه بذلك، ولكني لا أتفق مع الحالة الثانية الآخذة بالتزايد، وهي حالة التلهي بإرسال الشائعات تجاه الأفراد من الأفراد، وهي ظاهرة خطرة ومدمرة على مستوى النسيج الاجتماعي في أي مجتمع ما لم يتم الانتباه لها وقمعها.

فلان أصبح مليونيراً، فلان تزوج من ثانية، فلان لديه قضية اختلاس، فلان تلبسه الجن، فلان لديه أملاك في مكان كذا وكذا، فلانة فعلت كذا، ونحوها من الصيغ الخاصة بكلام مرسل لا يعضده الدليل بدأت تلمس في أوساط المجتمع العربي عموماً، وفي البيئات التي تشهد حالة من الترهل السياسي والضعف في سياسات المجتمع المدني ومراكز الثقافة، مما يتيح لهذه العبارات والإشاعات أن تنتشر دون رادع ودون وازع.

من السهل والميسور أن أتهمك أنت، نعم أنت يا من تقرأ المقال الآن بأنك لص، أو أنك مليونير، أو أنك متهم بقضايا معينة، ولكن من الصعب علي أن أحضر دليلاً واحداً على ذلك، وهذا معناه، أن تركي دون أن ألقى لوماً وعتاباً وزجراً منك ومن كل النخب المثقفة والواعية والغيورين على الصالح العام، فإن اتهامي لك ولغيرك سيصبح ملهاة أتلهى بها ساعة أشاء.

هذه النقطة اللافتة بدأت تتوسع وتأخذ أبعاداً كبيرة، وباتت الكثير من الجهات العشائرية والمؤسساتية والحكومية تتعامل مع آثارها وردات الفعل عليها، وهو ما يتطلب استراتيجية إعلامية وتربوية تبدأ بالمدارس والمعلمين الكرام في الصفوف الأساسية والثانوية، وكادر الجامعات، والإعلاميين بتسليط الضوء عليها بصورة مركزة للقضاء عليها، تحت شعار : كل ما أسمعه ينتهي عندي إذا لم يكن مقترناً بالدليل والبرهان.

وإني لأرسل برسالة عاجلة لكل زملائي وزميلاتي من الإعلاميين والكتاب والشعراء والأدباء لبدء حملة عامة للتركيز على هذه النقطة، لنسهم في وأدها في مهدها، لأنها ستطال استقرار مجتمعاتنا، وتشوه سمعة المشرق برمته إن لم تقف عند حدودها، فالإشاعة في علم الاجتماع تعتبر السلاح الفتاك الأبرز في تشتيت المجتمعات وبث الفرقة بينها، ولذلك، فإن مسؤولية مواجهتها تطال الجميع بلا استثناء.

المستشار د. نزار نبيل أبو منشار الحرباوي

01

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة