دموع المودّة والرحمة والوفاء!

قال تعالى:”ومن آياته أن خلقَ لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّةً ورحمة” – الروم: 21

قبل ثلاثة أيّام رحلت عن دنيانا إلى عالم الحقّ زوجة أحد أقاربي، وكان الرحيل مفاجئًا وأليمًا؛ فبعد عمليّة جراحيّة ناجحة في أحد المستشفيات تردّت حالتها، ودخلت في غيبوبة لم تصحُ منها!

عرفتُ الزوجين منذ عقود، وكانا مثال الزوجين المتحابّين، اللذين جمعت بينهما الرحمة والمودّة والوفاق. وقد وفّقهما الباري فأنجبا ذريّة صالحة من ثماني بنات وولدين، وتزوّج الأبناء ورزقوا بالأحفاد البررة!

ويشهد كلّ من عرف المرحومة أنّها كانت نعمَ الزوجةُ، و كانت نعم الأمّ، ونعم الجارة، حسنة المعشر، حاضرة البشاشة، ودائمة التفاؤل، تبادل الناس الاحترام والتقدير، فتلقى منهم أضعاف ما تعاملهم به!

لذا لم يكن غريبًا أن يشارك المئات والآلاف من ألأهل والأقارب والمعارف – من البلدة وخارجها – في تشييع جثمانها الطاهر، وفي تقديم العزاء للزوج وللأبناء!

ولكن، ما شاهدتُه، وما لمستُه من سلوك الزوج إزاء هذه المصاب الجلل، هو ما هزّني من الأعماق، وزاد من إكباري لهذا الزوج المؤمن الصابر.

رأيتُه يذرف دموعًا ساخنة، دموع الوفاء، دموع الإخلاص والمودّة والرحمة!

وبصوت متقطّع حزين همس لي وإنا بقربه أحاول مواساتَه والتخفيفَ من مُصابه قال:

ماذا أقول لك يا ابنَ العمّ، لقد فقدتُ اليوم الزوجة والأمّ والأخت والصديق ومن كانت تسعفني في المواقف العصيبة بحكمتها وبحنكتها وبمشورتها المتّزنة.

ثمّ، راح يجهش في بكاءٍ صامتٍ حزين!

قلتُ له: هوّن عليك، واصبر على ما أصابك من فاجعة، كلّنا سنشرب من هذه الكأس، ولا مفرّ من الموت!

قال تعالى:

“إذا جاء أجلُهم فلا يستأخرون ساعةً، ولا يستقدمون” – يونس:49

ما أصعبَ الدموع، وما أرقى معانيها إذا كانت دموعَ المودّة والوفاء والرحمة، دموع الرجال على النساء مخالفين ما تناقلته العاداتُ والأعراف، بأن الرجالَ عادةً لا يبكون، وخاصّة على النساء!

نسأل الله العليّ القدير أن يتغمّد الفقيدة برحمته، وأن يسكنها فسيح جنّاته، وأن يلهم الزوج والأبناء والأقارب الصبر والسلوان.

وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

وفاة الحاجة جميلة احمد ابو فنه “ام علي” من كفرقرع