الفلاح حكيم
تاريخ النشر: 25/12/14 | 10:29كان “حكيم” فلّاحًا معروفًا، واشتهَرَ بنشاطِهِ وعملِهِ الدَّؤوب..كانَ راجحَ العقلِ، فطينًا..يعملُ من غير كلل أو ملل وكان حكيم يملكُ بَستانَينَ يعملُ على زراعة الخضروات فيها ليبيعَها للتّجار.
كبُر حكيم وهزلَ جسمُهُ وأعْيَتْه الأمراضُ والآلام، ولم يعد يقوى على العملِ، فطلبَ من ابنيهِ، عزيز وسالم، أن يقوما بمتابعة أعمال البستانين والاهتمام بالمحاصيل.
فكان أن تولّى كلُّ واحد منهما بستانًا، ليُشرفَ على العمل فيه ويُتابع شؤونَه.
عزيز كان معروفًا بغطرستِهِ وحبِّه للسَّهر مع الأصحاب حتّى ساعاتٍ مُتأخّرة..لا يُبالي بالنُّقود التي يغدق بها على أصحابِهِ ولا يصحو من نومِهِ إلا بعد أن تتسمّرَّ الشَّمسُ في كبدِ السماء،فيذهبُ مُتكاسلا متثائبا لِيَتَفَقَّدَ أمورَ العُمال، وما يلبث أن يعودَ بعد ساعاتٍ إلى البيت ليواصلَ عبثَهُ وتجوالَهُ مع أقرانِهِ..
أمّا سالم، فكان يحرصُ على الذِّهابِ باكرًا إلى البستان الآخر، كان يشعر أنّه أمامَ امتحان، يريدُ أن يثبتَ لنفسِهِ أنّه قادر على الثَّبات بل والتفوّق في هذا التحدّي الصَّعب..كان يعمل برفقة العُمّال..ولا يعود إلى البيت إلا بعد أن ينتشرَ الجمعُ كلٌ إلى بيته فيتأكَّد أنَّ كلَّ شيءٍ على ما يرام.
لقد كان “سالم” طموحًا، لم يكتفِ بأن يمُرّ يومُهُ كالأمس، أو يكون نهارُهُ كالغد… فهو دائم التّفكير والتّجديد.
مرّت الأيّام والسّنون..وكان المحصول في البستان الأوّل يقلُّ، ويقلّ، حتى أنّ عزيزا اضطر لصرف بعض العمال الذين لم يَعُدْ بحاجة إليهم..وكان المنتوجُ يكفي لسدِّ أجرةِ العُمّالِ والمبلغ الزهيد الذي يتبقّى كان يلبّي مصروف عزيز الخاص.
أما المحصول في البستان الثّاني فكان يتضاعف حتّى اضطرَّ سالم لزيادة العُمّال، واشترى المزيد من الأراضي، وقام ببناء بيت كان أعجوبة من أعاجيب الرَّوعة والجمال، بفضل التّجارة التي كانت تربو وتتبارك يوما بعد يوم…
ضعف حكيم العجوز واستدعى ابنيه وسألهما:
– ما أخبار البستانيْن يا أبنائي؟
– أسرع عزيز بالإجابة: ممتازة يا والدي، لقد عملنا كما طلبت منّا.
وَقالَ سالم بهدوء وتواضع:
– حماكَ الله يا أبي.. لقد أعطيتِني فرصة للعمل والإنجاز .. وطبعا لم أنسَ يا أبتِ نصيب الفقراء والمحتاجين..
وقصّ سالم لوالده عن إنجازاتِهِ والأرباح التي يدَّخرها.. في حين كان عزيز ينظر إليه بحسرة وندم.
عندها قال الأبَ:
– لقد عدلتُ بينكما إذ أعطيتُ كلّا منكما بستانا مساويًا للآخر، والآن كلّ واحد سينالُ البستان وأرباحَهُ ليستمرَّ بالانجاز وهو نصيبه من الميراث..ومن ينسى قول النّبي (صلى الله عليه وسلم): ” إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملا أن يُتقنه”.
انتفض عزيز من مكانه باكيا نادما، أمّا سالم فقام فرحا شاكرا يُقبّل والده ويدعو له..