نجيب محفوظ عملاق قبل نوبل!

تاريخ النشر: 12/12/14 | 18:25

أمس، صادف مرور 103 أعوام على مولد الأديب نجيب محفوظ، وباستعراض مسيرة حياته التي امتدت من 11 ديسمبر عام 1911 حتى وفاته في 30 أغسطس عام 2006، تلك الحياة التي كانت طويلة وعريضة بإبداعه الأدبيّ الغزير الرائع، يسرّني أن أنشر ما كتبتُه في عام 1988 عندما فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل العالمية للآداب، فتهافت عليه الصحفيّون ورجال الإعلام ليكتبوا عنه وعن أدبه، أمّا أنا فكتبتُ هذه الخاطرة بوحي ذلك الحدث بعنوان:
“نجيب محفوظ عملاق قبل نوبل!”
وقد نشرتُ تلك الخاطرة في مجلّة: “صدى التربيّة” الموجّهة للمعلّمين، وفي مدخل كتاب بعنوان:
“نجيب محفوظ – رحلة الإبداع” (إعداد: محمود أبو فنه مع زميلين آخرين، الناصرة، شباط 1989).
صدر الكتاب آنذاك بمبادرة وزارة التربية والتعليم تكريمًا لنجيب محفوظ وأدبه في أعقاب فوزه بتلك الجائزة.

“نجيب محفوظ عملاق قبل نوبل
“عرف الأديبُ نجيب محفوظ طريقَه إلى قلوبنا بفضل موهبته قبل أن يحصلَ على جائزة نوبل في الآداب.
تربّع على عرشِ قلوبنا، واستأثرَ بتقديرنا وحبّنا قبل أن يتهافتَ عليه الصحفيّون والمصوّرون عقب فوزه بجائزة نوبل.
لم يكن نجيب بحاجة إلى جائزة نوبل ليتبوّأَ تلك المكانةَ المرموقةَ في نفوسنا، فهو عندنا عملاقٌ قبل الجائزة وبدونها!
قرأنا نجيب محفوظ وأحببناهُ قبل نوبل!
وسنقرأُ نجيب محفوظ ونحبّهُ بعد نوبل!
ولن ننسى السويعاتِ الجميلةَ التي عشناها مع فنِّه وأعماله الأدبيّة الرائعة!
بدأنا صحبتَنا لأديبنا العملاق يومَ كنّا نخطو على أعتاب مرحلة البلوغ في المدرسة الثانويّة!
وتابعنا رحلتَنا الممتعة مع إنتاجِه أيّامَ دراستنا الجامعيّة.
قرأنا قصصَه ورواياتِه الخالدةَ وعشنا مع شخصيّاته التي “انغرزت” وتغلغلت في نفوسنا كالوشمِ فلم تعُد تقوى على محوِها السنون!
فمحجوب عبد الدايم في “القاهرة الجديدة”، وأحمد عاكف في “خان الخليلي”، وحميدة في “زقاق المدق”، ونفيسة في “بداية ونهاية”، والسيّد أحمد عبد الجوّاد في “الثلاثيّة”، و… شخصيّات عاشت معنا ولا تزال تعيشُ كشخصيّات حيّة نابضة تربطنا بها وشائجُ متينةٌ لا تنفصم كأنّها وشائجُ القربى والدم!
قرأنا نجيب محفوظ وحلّقنا في أجواء قصصِه العبقة، وشدّنا إلى أعماق رسالته التي عبّر عنها من خلال حوادث قصصه وشخوصها؛
عرفنا صراعَ الحياة، تعاطفنا مع طموح الأبطال، واحترنا مع الحائرين، ورثينا لمَن قستْ عليهم الحياةُ فكبتْ أقدامُهم وتعثّرتْ خُطاهم وتحطّمتْ آمالُهم…
أيقنّا أنّ المأساةَ والسقوطَ هما وليدةُ ظروفٍ وعواملَ عديدةٍ متشابكة متداخلة، وقد تبدو أحيانًا عشوائيّة غير مبرّرة.
تاقَ نجيب محفوظ لتحقيق التوازن لدى الأفراد والشعوب…
أراد تخفيفَ حدّةِ المآسي الناجمةِ عن الجهل والفقر والجوع؛ جوع الجسد والروح!!

هذا نجيب محفوظ.. أو لنقل هذا بعضٌ من نجيب محفوظ في أعيننا، وما ذكرنا إلا غيضًا من فيض!
لكلِّ ذلك، كان نجيب محفوظ عندنا عملاقًا شامخًا، ذروةً سامقةً، خضمًّا زاخرًا.. قبل أن يمنحوه جائزةَ نوبل، وسيظلُّ كذلك بعد أن منحوه جائزةَ نوبل!
صحيح أنّه يسعدُنا، اليومَ، أن يعترفَ الآخرون بما عرفناهُ واكتشفناه من نجيب محفوظ..
ولكن أقولُها بصراحةٍ:
ما أحوجَنا أن نثقَ بطاقاتنا ومواهبنا وقدراتِنا!
ما أحوجَنا أن نعرفَ رجالَنا وعظماءَنا!
ما أحوجَنا أن نتحرّرَ من رواسب تخلّفنا وماضينا الحالك!
ما أحوجَنا أن نبصرَ الضوءَ الباهرَ المنبعثَ من أرضنا المعطاء!
ما أحوجَنا أن نستلهمَ العزّةَ والإباء من تراثنا العريق الخالد!”
فالعظيم يكونُ بسجاياهُ وأعمالِه حتّى ولو تنكّرَ له الآخرون!
ونجيب محفوظ عظيمٌ في فنِّه وإبداعِه، عظيمٌ في أمّته وشعبِه! ولذلك نقول:
أنت يا نجيب محفوظ عظيمٌ وعملاقٌ قبل نوبل!

دكتور محمود ابو فنه
njeb-1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة