رحلة مع بوصلة جديدة

تاريخ النشر: 08/12/14 | 11:55

اعذروني للتطرق لهذا الموضوع بهذه الصيغة، فبغيرها لا أرى جدوى من الكتابة بشكل موجز وبسيط.

قديماً تم اكتشاف العالم بعد اختراع البوصلة، وقديماً كانت البوصلة عنواناً لمرحلة جديدة من تغيير الموازين في القوى العالمية وتغيير طرق التجارة الدولية، وكانت الفاتحة لحالة الاستعباد التي عاشتها إفريقيا برمتها مع أنها لا تتجاوز بحجمها حجم الكف الصغيرة.

البوصلة كانت تعرف من قبل الصينيين و المسلمين منذ القدم، وجرى استخدامها في المجالات المدنية والعسكرية على حد سواء في البر والبحر.

بتعريفها البسيط، هي آلة تفيد في مجال تحديد الجهات والمسارات في البحار والمحيطات، والدراسات الجارية في مجال استخدام البوصلة في بدايات القرن الخامس عشر – على سبيل المثال – أوجدت قراءات جغرافية ومعرفية جديدة، فبفضلها وجدت دراسة زاوية انحراف كرستوفر كولومبوس في المحيطات وما تلاها من اكتشافات جغرافية، وأصبح الإبحار أسهل من ذي قبل.

كما تمت بعد ذلك صناعة السفن المتينة والضخمة بالمقارنة مع الماضي، وتطويرها بناء على متطلبات الإبحار المستجدة حينها، في ضوء اكتشاف البوصلة.

إن اكتشاف القارة الأمريكية الذي تم على يد المسلمين بداية – وهذه حقيقة ثابتة علمياً – وتمت نسبته لكريستوفر كولومبوس، قد تم بفعل الضغط الناتج عن سيطرة الدولة العثمانية على البحر الأبيض المتوسط ومضائق المياه، وبالتالي، السيطرة التامة على التجارة الدولية بعد السيطرة على خط الحرير التاريخي، وخط النفط العالمي، وهي المسارات العالمية المعروفة في حينه.

ولكن، ونتيجة لوجود عنصر ضابط في معادلة اكتشاف المجهول، وهو عنصر البوصلة كاختراع علمي، وجد لدى أوروبا مخرج من الاستسلام والركوع التام أمام الدولة العثمانية، وفتح أمامها أبواب التجارة العالمية من خلال المحيط الأطلسي، وبدل أن تتدمر تجارتها بفعل السيطرة العثمانية على البحر الأبيض، تأثرت الدولة العثمانية اقتصادياً بشكل كبير نتيجة وجود طرق التجارة الجديدة.

إذا، الواقع المرذول سياسياً واقتصادياً اليوم، يعني أنه علينا أن نكتشف بوصلة جديدة، بوصلة يمكن لها أن تصنع إنجازاً حقيقياً في واقع حياتنا، يمكن لنا من خلاله أن نضعضع المفاهيم الراسخة، ونخرج خارج صندوق التفكير القاتم الذي يخنقنا من الوريد إلى الوريد.

نعم، نحن بحاجة لبوصلة جديدة، بوصلة تعفينا من الاستماع إلى المقالات السياسية الفارغة، والتحليلات العقيمة، والأطروحات التي تتاجر بالدين والدم والدمع وعذابات المكلومين، بوصلة يمكن لها أن توجد بارقة أمل في الواقع، وتفتح العيون على مسارات جديدة في التفكير والتخطيط والتعامل مع أدق التفاصيل المتاحة.

إذا وجدنا البوصلة، فصدقوني سنجد ألف بحار وبحار يمكن له أن يستخدمها، على أن تكون بوصلتنا نحن، ونعرف كيف نقوم بتشغيلها وحماية أسرارها ومكتسباتها.

د. نزار نبيل الحرباوي

0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة