النحلة الكسولة

تاريخ النشر: 02/12/14 | 10:19

قررت إحدى النحلات عدم العمل فقد زهقت من كثرة العمل ودائماً تشكو وتئن من كثرة المجهود الذي تبذله كل يوم في رحلتي الذهابوالعودة لجمع الرحيق ، كما أنها دائماً كانت تقول لزميلاتها :- إننا نتعب من أجلالآخرين ولا نستفيد شيئاً .

كانت زميلاتها ينظرن إليها باندهاش واستغراب شديدين ولا يردن عليها بشيء ويواصلن عملهن بجد واجتهاد .

ابتكرت النحلة حيلة جديدة للهروب من العمل ؛ فكانت تخرج كل يوم مع السرب ، وتتظاهر بأنها تجمع الرحيق من الأزهار وتمتصه بجدية وحماس ، ولكنها كانت تذهب إلى صديقتها الفراشة تجلس معهاعلى أطراف إحدى وريقات الورد الذي يملأ الحديقة ويتبادلا الأحاديث والنقاش حتى إذاظهر السرب عائداً إلى الخلية تسرع ؛ لتنضم إليه وتدخل مع زميلاتها إلى الخليةوتتظاهر بأنها تضع الرحيق الذي جمعته في المكان المخصص لها في الخلية .

كانت صديقتها الفراشة تنصحها كثيراً بضرورة العمل والجد والاجتهاد وإنه لافائدة من حياتها بدون عمل فكانت النحلة الكسول تعنفها بشدة وتقول لها :- وأنت ماذاتعملين ؟!! إنك تتجولين في الحقول والحدائق ولا عمل لك.

كانت الفراشة تقوللها :- كل شئ مخلوق في الكون له عمل معين ، وإن الله سبحانه وتعالي وزع هذه الأعمالحسب مقدرة كل مخلوق .

قالت لها النحلة:- كيف ؟!

قالت الفراشة :- انظري إلى هذا الحمار الذي يسير هناك أنه يتكبد من المشقة والتعب أكثر من أى مخلوقآخر، ولكن طبيعته التي خلقه بها الله تساعده على التحمل والصبر، كما أن الخالق عزوجل منحة حكمه العطاء بسخاء للآخرين ودون انتظار المقابل ، كذلك انظري إلى هذاالطائر الجميل الذي يقف علي فرع الشجرة التي بجوارك إن الخالق أعطاه منقاراً طويلاًحتى يستطيع أن يلتقط الديدان من الأرض لينظفها وهو بذلك يقدم خدمة عظيمة للفلاحولنا نحن أيضاً .

قالت النحلة بتعجب :- وما هذه الخدمة العظيمة التي يقدمهالنا هذا الطائر ؟

قالت الفراشة :- لولا نظافة الأرض التي يقوم بها هذاالطائر لمات الزرع ولن نجد حتى هذه الوردة التي نقف عليها الآن ، كذلك انظري إلىهذه البقرة الرابضة أسفل الصفصافة المزروعة على حافة ” الترعة ” وكيف أن الإنسانيهتم بها ويقدم لها الغذاء المناسب في ميعاده وينظفها ويعمل على راحتها كل هذا منأجل العطاء الكثير الذي تعطيه له فهي تعطيه اللبن الذي يصنع منه ال**د والجبنويشربه أيضا ، والبقرة تفيد الإنسان كثيراً حيث أنها من الممكن أن تلد له صغاراًيستفيد منها كثيراً وفوق كل هذا فهي تمده باللحم الطازج الذي يعشقه الإنسان.

النحلة فاغرة فاها من كلام الفراشة .. والفراشة تواصل حديثها إليها :- – ولماذا تذهبين بعيداً انظري إلى زميلاتك وهاهن عائدات من رحلتهن اليومية إن واحدةمنهن لم تشك يوماً، ولم تتمرد على حياتها ، أو على الخُطة التي وضعها الخالق لهاولحياتها .

كانت النحلة تصُم أذنيها عن الاستماع إلى نصائح صديقتها الفراشةوكانت تتهمها دائماً بأنها تقول لها هذا الكلام حتى لا تجلس معها ولا تنعم بالراحةالتي تعشقها .

تركت النحلة الفراشة مسرعة حتى تلحق بالسرب وهو عائد إلىالخلية .

ذات صباح وبينما السرب في الخارج كانت ملكة الخلية تتابع العملداخل الخلية وتتفقد الخلايا المخصصة لوضع العسل ؛ فاكتشفت أن الخانة المخصصة للنحلةالكسول خالية تماماً ولا يوجد بها أي نقطة عسل .عندما عاد السرب استدعت الملكةالنحلة إلى خانتها الكبيرة داخل الخلية وعنفتها بشدة وزجرتها وقالت لها :- كيفتخرجين مع السرب وتعودين كل يوم ولا يوجد في خانتك ولا نقطة عسل واحدة ؟

قالت النحلة وهي منكسة الرأس :- إنني لا أجد وروداً في الحدائق وبالتالي لاأجد رحيقاً امتصه وأحوله إلى عسل ؛ لذلك لا يوجد في خانتي أي عسل .

فكرتالملكة قليلا وهمست بينها وبين نفسها :- كيف هذا الكلام وخانات كل زميلاتها فيالسرب مليئة بالعسل لاشك أن هذه النحلة تكذب. ولكي تتأكد الملكة بأن النحلة تكذبفقد كلفت إحدى النحلات-المكلفات بحراسة الخلية -بمراقبة النحلة الكسول وموافاتهابأخبارها أولا بأول .

في الصباح وكالعادة خرج السرب لجمع الرحيق تتبعته نحلةالمراقبة من بعيد لكي تراقب النحلة الكسول وعرفت ماذا تفعل كل يوم !! فأخبرت الملكةبذلك .انفجرت الملكة غيظاً وواجهت النحلة بكل ما تفعله فقالت لها :- أين كنت اليوم؟

ردت النحلة بثقة :- كنت مع السرب أجمع الرحيق .

قالت الملكة :- أين الرحيق الذي جمعتيه ؟

قالت النحلة بلا مبالاة :- الرحيق ! أي رحيق ؟إناليوم مثل كل يوم لم أجد وروداً و…

قاطعتها الملكة بحدة وقالت لها:- -إنك تكذبين .

شعرت النحلة أن سرها انكشف وحاولت تبرير موقفها لكن الملكة واجهتها بكل ما لديها من معلومات حيث أنها تذهب كل يوم إلى صديقتها الفراشة وتجلس معها طول رحلة جمع الرحيق ثم تعود مع السرب ظناً منها أن أحداً لن يكتشف الأمر …

انكسرت عيناها ونظرت إلى الأرض ، ذرفت دمعة من عينيها ، لكن كل ذلك لم يثن الملكة عن الحكم الذي أصدرته ضدها حيث حكمت عليها بالحبس في الخلية وعدم مغادرتهامطلقاً.

نفذت النحلة الكسول حكم الملكة دون معارضة حيث لا مجال للمعارضة لأي كلمة تقولها الملكة . مر يوم ومر آخر … ومرت أيام حتى شعرت النحلة بالملل منكثرة الجلوس كما أنها ضاقت بالحبس وبالخلية كلها ؛ فلم تجد شيئاً تتسلى به سوىمتابعة زميلاتها في رحلة الذهاب والعودة كل يوم ، كما أنها فوجئت أن الكل داخلالخلية يعمل حتى الملكة نفسها تعمل بجد واجتهاد وتوزع المهام ، كذلك طاقم النظافة يقوم بعمله بهمة ونشاط ، وأيضاً طاقم الحراسة وكذلك الوصيفات يعملن بدأب مستمر. الجميع داخل الخلية يعمل ويعمل ولا أحد يشكو ولا أحد يجلس بدون عمل . شعرت النحلةالكسول بالخزى من موقفها ، وندمت على ما فعلت ولكن بعد فوات الأوان فقد طال عليهاالحبس واشتاقت للتحليق والطيران والانطلاق ، لكنها لا تستطيع أن تفعل هذا الآن .

ظلت النحلة في الحبس حتى ضعفت وهزل جسدها ومرضت مرضاً شديداً كاد أن يهلكهالولا أن الملكة أصدرت حكماً بالعفو عنها بعد أن تعاهدت النحلة أنها لن تعود مرةأخرى إلى مثل هذا العمل ؛فعادت النحلة إلى الطيران والتحليق وجمع الرحيق ، وأخذتتعمل وتعمل بجد واجتهاد كل يوم حتى دبت الحياة مرة أخرى في جسدها الصغير وشعرتبقيمتها وأهميتها في الحياة وفي الخلية أيضاً.

0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة