69 سنة على تأسيس الأمم المتحدة: فلسطين والحقوق المهدورة
تاريخ النشر: 24/11/14 | 16:51أُنشئت هيئة الأمم المتحدة في 24/11/1945، ومنذ ذلك الحين، تشكل القضية الفلسطينية محور صراع إستراتيجي مع المنظمة الدولية؛ فقد تنكر المجتمع الدولي للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفي المقدمة منها ما يتعلق بحق تقرير المصير إبان سنوات الإنتداب البريطاني على فلسطين الذي بدأ في العام 1918، وانتهى مع قيام دولة الكيان الإسرائيلي في 15/5/1948؛ فقد ضمت الأمم المتحدة شرعة إتفاقية عصبة الأمم للعام 1922 إلى شرعتها الجديدة بما فيها الوعد غير القانوني الذي أعطاه بلفور لليهود إبان الإحتلال البريطاني لفلسطين في الثاني من تشرين الثاني 1917، باقإمة وطن قومي لهم في فلسطين.
وعلى مدى 25 سنة هي الفترة الفاصلة بين تكريس الإنتداب وإنشاء هيئة الأمم، وفي ظل إنشغال الدول في الحرب العالمية الثانية، كانت العصابات الصهيونية وبمساعدة الإنتداب البريطاني ووكالة الهجرة اليهودية وزعماء دول غربية وغير غربية متواطئة، تحيك الخطط والمؤامرات لتهجير الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم، يرافقها أعمال إعتقال وقتل وإرتكاب للمجازر، وفي المقابل تسهيل هجرة اليهود الصهاينة من دول أوروبا وغيرها للسكن في فلسطين كمشروع صهيوني عنصري إحلالي لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا؛ فقد نجح القادة الصهاينة من اليهود في إثارة عاطفة المجتمع الدولي كشعب عانى الهجرة والتشتيت والإعتقال والقتل بسبب الحرب وأنه قد حان الوقت لأن يكون لهم دولة، ولو على حساب شعب آخر له دولته وأرضه ومقدساته.
في ظل ما كانت تتعرض له فلسطين إبان مرحلة الانتداب من إنتهاكات بالجملة..، توسم الفلسطينيون الخير في مراحل التحضير لإنشاء هيئة الأمم المتحدة كمنظمة دولية مكونة من 51 دولة حول العالم، مهمتها “حفظ السلام عن طريق التعاون الدولي والأمن الإجتماعي”، وأن الدول الكبرى ستُنصِفهم وتعمل على إنهاء الإنتداب وقيام دولة فلسطين كمحصلة قانونية يجب الإلتزام بها من قبل بريطانيا كدولة مُنتدِبة، أو الوقوف إلى جانبهم وحمايتهم من العصابات الصهيونية التي كانت ترتكب المجزرة تلو الأخرى، خاصة وأن تلك التحضيرات قد بدأت مع إنتهاء الحرب العالمية الثانية في شهر آب/أغسطس 1945 وكان ضحيتها سقوط عشرات الملايين من القتلى المدنيين وتدمير كل ما يرتبط بالبنى التحتية ومشاريع التنمية البشرية للشعوب وللدول التي شاركت في الحرب، إلا أن النتائج كانت مختلفة.
أمام “سمع وبصر” وتسهيل من الأمم المتحدة، قامت دولة الكيان الإسرائيلي على أنقاض الفلسطينيين في 15/5/1948، ومع توالي الإعتراف بدولة الكيان، كان 935 ألف فلسطيني قد هُجِّروا من ديارهم، تحولوا إلى لاجئين في الدول المحيطة بفلسطين، وصل عددهم الحالي إلى ما يزيد عن الثمانية ملايين لاجئ في مناطق عمليات “الأونروا” الخمسة والمنافي والشتات، وتدمير 531 قرية ومدينة، والإستيلاء على 78% من أرض فلسطين.
منذ العام 1945، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عشرات القرارات الأممية المتعلقة بالقضية الفلسطينية فكان القرار 181 الذي نص على تقسيم فلسطين لدولتين واحدة يهودية وأخرى عربية في 29/11/1947، وأخرى تدعو لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 67، وكذلك قرارات تتعلق بضرورة تطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين، أو عدم شرعية بناء جدار الفصل العنصري وغيرها…، إلا أن جميع تلك القرارات كانت تواجه بتحدٍ سافر من قبل دولة الإحتلال غير آبه بأي نوع من أنواع المساءَلة الأممية، وفي أسوأ الظروف التي كان يواجهها الإحتلال في مقارعته مع المنظمة الدولية يكون الفيتو حاضراً في مجلس الأمن.
شعوراً من المنظمة الدولية بالظلم الإنساني الواقع على اللاجئين الفلسطينيين والتسبب بأكبر قضية لاجئين في العالم لا تزال تداعياتها مستمرة حتى الآن، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة وكالة “الأونروا” وفقا للقرار 302 لتاريخ 8/12/1949، مؤكدة في الديباجة على أن إنشاء الوكالة لا يخل بالفقرة 11 من القرار 194 لتاريخ 11/12/1948، الذي يؤكد على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي أُخرجوا منها على أيدي العصابات الصهيونية إبان النكبة عام 48 والتعويض واستعادة الممتلكات.
على الرغم من مرور 69 سنة على انشاء هيئة الأمم المتحدة، بقيت الحقوق الفلسطينية مهدورة، تُنتهك ليل نهار أمام جميع الدول الأعضاء؛ تهوَّد القدس وتنتهك المقدسات، ويستشري الإستيطان، ويتحكم الإحتلال بموارد الماء والكهرباء والبنى التحتية، والأطفال الفلسطينيون في السجون، ومصادرة الأراضي مستمرة، والقوانين العنصرية بحق أبناء فلسطين في الداخل المحتل عام 1948 مستمرة، وسياسة ترحيل المقدسيين وسحب بطاقات الإقامة الزرقاء مستمرة بهدف تفريغ البلدة القديمة من سكانها، وسياسة هدم البيوت بحجة عدم الترخيص مستمرة، وفرض تغيير أماكن سكن الفلسطينيين كما يحصل مع بدو النقب من الفلسطينيين مستمرة.. وغيرها من الانتهاكات التي تعتبرها القوانين الدولية ذات الصلة جرائم يجب محاسبة الإحتلال على ارتكابه إياها.
في كل عام يستذكر الفلسطينيون إنشاء المؤسسة الدولية وتقييم مضامينها التي تختلف بين النظرية والتطبيق؛ فلن يعيد لتلك المؤسسة هيبتها وفعاليتها ومكانتها على مستوى شعوب العالم والقوى الحية المتضامنة مع الحق الفلسطيني، إلا إذا التزمت الدول التي أنشأت الهيئة بما وقعت هي عليه، وألغت القرارات التي اتخذتها وكانت مجحفة وظالمة بحق الفلسطينيين، وإلا ستبقى سياسة المعايير المزدوجة هي المسيطرة يتحكم فيها النفوذ السياسي للدول الكبرى، وهذا لا يخدم بأي حال من الأحوال الهدف الذي أُنشئت لأجله هيئة الأمم.
علي هويدي – المنسق الإقليمي لمركز العودة الفلسطيني / لندن – المنطقة العربية – كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
—