شمردق

تاريخ النشر: 03/07/12 | 6:49

انهمرت ذكرى غريبة بين أحضان أفكاري, أقلقت نومي وأثارت حنيني لطفولتي..

الآن على أعتاب الفجر دقت نواقيس طفولتي إيقاع يتناغم مع سكون الليل المنبعث عبر العتمة الحالكة الصمت. تجلجل ذكرى عميقة الجذور الى وجه مبتسم مازال يتأملني حتى اليوم, حتى بغيابه مازال يتمعن ويحدق بتفاصيل طفولتي الخالية من التكنولوجيا , تحتل صورة جارنا شمردق مخيلتي منذ سنوات الوح لها محاولتنا التقاط حذافيرها لاحيا متعة الانصهار بضحكات طفولتي..

جارنا شمردق يسكن بالحي المجاور لحينا بيته بطريق مدرستنا, وبجانب الدكان الذي نرتاده بشكل يومي وكأننا نوقع بسجل المرور مرورنا أننا زرنا الدكان كأنه نهج يومي معتاد.

بين الدكان وبيت شمردق حائط فاصل متواصل وعلى غير موعد محدد او ربما الساعة البيولوجية عندنا كانت تتزامن مع موعد مغادرته البيت.

بين رائحة ( البيجلا ) الساخنة المنقرضة اليوم وخطوات شمردق اللاهثة المتأهبة لبدأ المهمة الرسمية لشراء الجريدة اليومية تتنقل نظراتنا العائمة بين الشوق الصباحي للاثنين..

أنا والأولاد والبنات نتراكض بين الاثنين حتى يستقر المطاف على ان فريق يشتري وفريق يعطل مسير شمردق عن السير و ننادي بأعلى صوتنا باسمه الرنان الطنان كأن اسمه أغنية لنشيد نحفظه عن ظهر قلب نخاطب أنفسنا حتى ولو ركب مركبة لن يفلح بالهرب منا ومن شقاوة طفولتنا..

نركض ورائه كالنمل بخطوطه المستقيمة نحاصر شمردق نلتف حوله كالنحل على بقايا العسل, بين الخطط المحاكة والعفوية ,الأفكار والهمسات لإعاقته كأنها نية مبيتة كان يقف يلتقط بقايا أنفاسه المنهكة من احتلال الأمراض المزمنة لجسده الكهل.

يبتلع ريقه يرفع رأسه يحدق بقرص الشمس لعلها تمنحه القوة المرجوة للصمود أمام الجسد المرهق من أخاديد العمر المرسومة هالتها حول عينيه النابضة بعشق الطيبة المفقودة بزمن العولمة. بعد ثلاثة او اربع خطوات يقف وينفذ نفس الحركات كأنه بمهمة رسمية.

مهمتنا السهلة اللحاق به ومن ثم الالتفاف حوله لإعاقته عن التقدم احتلال إجباري من محبتنا له, يقف يسألنا:” ماذا تريدون مني..؟ على وجهه ترتسم ابتسامه خبيثة الملامح طيبة المعدن.

تتعالى مطالبنا وكـأننا بانتخابات شعبية بين الصرخات والضحكات والابتسامات تتناثر مطالب الشعب الطفولي نكتة قصة, أحجية ( حزورة فزورة )..

بين المعارضة والموافقة والتصميم سيد الموقف تستمر المطالبة هي سلاحنا كحق شرعي لسماع خطابه اليومي يصمت الشعب لكلمة الرئيس لقد قررت ان احكي لكم حكاية هو الأمر الناهي نصغي بصمت وكأننا عبيد المتعة المرتقبة من حروفه.

عندما يتعب يصمت للحظات يستنشق بقايا ذكرياته يتابع وان نجحنا بالمساومة على طلب اضافي يستطرد الحوار ويتركنا نسمع طرقات عكازه على الاسفلت تزلزل وتخترق سكون الحي.

الطريف بالموضوع أن جحا بطله المفضل لمدة معينة ثم يعم التجديد على أفكاره لينقلنا بين غياهب أفكاره ومطاردته الصباحية من بطل الى بطل وكأننا بمسلسل يومي, اليوم لا أذكر تلك القصص ولكنني أذكر ملامحه ابتسامته.

كبرنا وكبرت أمراضه المزمنة التي عاهدته على مرافقته وعلى عدم وداعه حتى اخر ايام عمره ذات فجر غادرنا لنكتشف ان شمردق لم يكن اسمه شمردق وإنما كان اسم صاحب الدكان ولم يتذمر يومًا أننا ولا مرة ذكرنا اسمه الحقيقي لجهلنا التام باسمه.

ها هو اليوم أحد المعالم الأثرية الرائعة بطفولتي والتي لن أتنازل عن احتلالها حيز كبير من ذاكرتي..

كما ولدت كلماتي كتبتها..

تحتاج لتشذيب فيما بعد..

بقلم حنان جبيلي عابد

‫2 تعليقات

  1. دائما متألقه عزيزتي حنان… الى الامام دوما ومن نجاح الى آخر فانت تستاهلين كل خير ومحبه . لانك ذات قلب طيب مفعم بالطيبه والحنان يا حنان…. تحياتي لك بكل الخير والمزيد من الابداع والتألق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة