الثّور النادم
تاريخ النشر: 25/06/12 | 9:06على شاطئ البحيرة الصّغيرة الهادئة ، عاشت العنزة ” كحلاء” وجداؤها الثلاثة عيشة سعيدة ، ينعمون بماء البُحيرة الصّافي وأكل البرسيم الأخضر الطّريّ الذي يزرعونه في حقلهم الصّغير.
في أحد الأيام الصّيفيّة ، وحين كانت العنزة كحلاء وجداؤها يستحمون في مياه البحيرة ، جاء ثور كبير وأخذ يشرب من البحيرة، فخاف الجداء خوفًا شديدًا وأخذوا يستغيثون بأمهم ، فهذه أوّل مرّة يرون فيها هذا الحيوان الغريب والضّخم.
هدّأت العنزة الأم من خوف صغارها وقالت : “لا تخافوا يا صغاري ، فهذا الحيوان هو قريبنا ويُدعى الثّور ويأكل الأعشاب مثلنا”.
رحّبت العنزة وجداؤها بالثور ، ودعوه ليشاركهم في تناول البرسيم.
لبّى الثور الدّعوة شاكرًا ، وأكل فَرِحًا ، في حين راح الجِداء يدورون حوله مُستغربين.
تمتّع الثور بمنظر البحيرة الخلاّب وبأكل البِرسيم الأخضر ، فقرّر أن يبقى هناك ولا يرحل .
لم تتضايق العنزة كحلاء من قرار الثور ، رغم انّه لم يسألها ، ورغم انه كان يأكل كميّة كبيرة من البرسيم كلّ يوم .
ومرت الأيام ونفد البرسيم من الحقل ، فعزمت العنزة على حرث الحقل الصغير وزرعه بالبرسيم من جديد.
توجّهت العنزة إلى الثور ، وطلبت منه أن يساعدها في حِراثة الحقل ، فرفضَ قائلا : “لا …فأنا قد مللت هذا العمل ، وقد هربت من بيت صاحبي الفلاح بسببه ” .
حرثت العنزة وصغارها الحقل وزرعوه بالبرسيم وسقوه من ماء البُحيرة ، في حين راح الثور يتفرّج ويضحك.
وما ان نما الزّرع واخضرَّ ، حتى حضر الثور إلى بيت العنزة واخبرها بغضب وحزم بأنّ عليها ترك الحقل الصغير المزروع بالبرسيم ، فهو يعود لأبيه !!
بكتِ العنزة وتوسلت أن يتركها وأمرها ، ولكن الثور ظلَّ مُصرًّا على رأيه.
” يا لَكَ من ظالم ، أهذا جزاء المعروف ” قالت العنزة الامّ والدّموع تسيل على خدّيها وهي تنتقل مع جدائها الى جهة أخرى من البحيرة .
بعد عدة أيام ، وبينما كانت العنزة كحلاء مشغولة بأعمال البيت، غافلها الجداء الثلاثة وخرجوا خارجًا وأخذوا يقفزون فوق الصّخور والحجارة والأزهار.
عندما انتهت العنزة الامّ من عملها ، نادت صغارها ، فلم تسمع جوابًا ، فنادت ثانيةً وثالثة ، ولكن دون جدوى ، فقفزَ قلبُها خوفًا ، وأخذت تركض في الحقول تبحث عنهم وتنادي بأعلى صوتها .
وصلت كحلاء دون أن تدري إلى حقل البرسيم ، حقلها القديم ، فوقفت هناك برهة صامتة حزينة ، تذكّرت فيها أيامها السّعيدة الماضية ، ثمّ دخلت وهي تقول في نفسها : ” ربّما شدّهم الحنين !! مَنْ يدري؟ “.
وكم كانت فرحتها عظيمة ، حين رأت جداءها يقضمون على مَهَل البرسيم الأخضر الطّريّ.
عانقت الامّ صغارها مُعاتبةً : لماذا خرجتم يا صغاري دون إذني؟
ألا تخافون من الذئب الشرِس أو الثور الغاضب ؟ .
اعتذرَ الجداء الواحد تلو الآخَر قائلين : سامحيني يا امّي ، سامحيني يا امّي .
لا بأس قالت العنزة ، وأرجو أن لا تعودوا لمثل هذا العمل ثانية.
سمعت العنزة الامّ أنينًا آتيًا من إحدى زوايا الحقل ، فذهبت إلى هناك ويا هول ما رأت ! رأت الثور الكبير مطروحًا على الأرض والدّماء تسيل منه .
” لقد اشتبكتُ مع أسدٍ كبير ” قال الثور لاهثًا ، ولقد نجوت منه بأعجوبة .
أسرعت العنزة إلى بيتها ، بعد أن أوصت صغارها بانتظارها في الحقل ، لتعود بعد قليل حاملة اليود والضمادات .
ضمدّت العنزة جِراحَ الثور ، وهو يعتذر لها وينظر اليها بانكسارٍ وخجل وندم .
تمنّت العنزة للثور السّلامة وهمّت بالخروج هي وجداؤها ، ولكن الثور أبى الا أن يخرج هو قائلاً : “سامحوني ، لقد كنتُ معكم قاسيًا وظالمًا ، أنتم أصحاب الحقل …..أنا سأسكن بجانب البحيرة الآخَر ، وسأحرث لكم الحقل في كُلِّ موسمٍ ، وداعًا… وداعًا .
وتحامل الثور على نفسه وهو يخرج من الحقل ، والعنزة وصغارها يُلوّحون له والدّموع تسيل على خدودهم.