قراءة في ديوان “أميرة الوجد” للشاعر فراس حج محمد

تاريخ النشر: 14/10/14 | 16:09

فراس حج محمد شاعر عذري بامتياز. فقد عبّر، خلال معظم قصائده، وفي كل صفحة من صفحات ديوانه عن حرارة العاطفة وآلام الفراق والبعد عن المحبوبة، وابتعد بشكل جليّ عن وصف المفاتن الجسدية لمحبوبته، حتى أنّه حاول أن يخفي اسمها؛ فكنّاها أميرة الوجد، إلا أن أحرف اسمها ما فتئت تظهر في قصائده، حتى صرّح عنه مرغما في نهاية ديوانه قائلا:
فصبّح يا شروق على شروق وقل: إن الكلام غدا حميما
وقد عمد الشاعر في قصائده إلى إظهار المشاعر الجياشة تجاه محبوبته، التي لم تغادر خياله ولم تغب عن أحرفه وكلماته وأبياته. عاطفة صادقة وآلام وكبد، يقابلها صد وهجران وعدم اهتمام منها. لكنه لا ييأس ولا يغادره الأمل بوصالها، فلا يقابل هجرانها بالهجران، وإنما يزيده صدها عشقا ولظى. أحب الشاعر فتاته إلى درجة العبادة، فقد جعل حبها ديدن حياته، وجعل هواها الهدف الذي يحيى لأجله. لكننا نلمح في قصائده أنه يتوق إلى ألم الفراق أكثر من شغفه بوصال الحبيب. وقد أعلن هن هذا جليا بقوله:
أنا لن أعيش بغير أنّات الهوى هي رقصتي في وردي المتناثرِ
وكغيره من الشعراء العذريين، عبّر فراس حج محمد عن مرارة الفراق ولوعة السهر والأرق، وعن مشاعر الألم، ليس على فراق معشوقته وحيلولة صروف الدهر بينه وبينها كما فعل أقرانه من شعراء الغزل العذري، وإنما لعزوفها عن حبه وعدم مبادلتها لمشاعره. فشاعرنا بارع في اجترار الألم، لكنه غير قادر على جذب المحب إلى دفء عشقه. ولا يثنيه بعدها وعدم اهتمامها بلوعته عن عشقه فيقول:
فلست أتوب عنها طول عيشي سأحياها وإن هلّت خطوب
عبر الشاعر عن عواطفه عن طريق عدد من الصور الشعرية، لكن صوره في مجملها لم تغادر ما درج عليه الشعراء في وصف المحبوبة بالريم وخدها بالورد وقدها بالرمح ووصف الحب بالخمر والعشق بالسكر. وهذا ما دأب عليه شعراء كثيرون، فلا جديد فيه هذه الصور ولا إبداع. وحينما حاول أن يأتي بصور جديدة كان بعضها ممجوجا مثل قوله:
تعاليتم عن الأشباه حتى لعزّ المثل يا فرد المثالِ
تبدى عزكم في ذا المحيّا وفي قدّ ككثبان الرمال
إذا درجت تهزّ الأرض لينا! وترتجف النجوم مع الهلال
فكيف يكون القدّ الجميل ككثبان الرمال؟ وكيف يهز اللين الأرض فترتجف منه النجوم. هذا وصف لعملاق يدب على الأرض وليس لفتاة رقيقة.
ويقول الشاعر معبرا عن نكد الحياة في ظل ألم الفراق:
فحياتي كسيجارة لف
من أردأ أنواع الدخان
وفي رأيي أنه لم يكن موفقا في هذا التشبيه.
ومما يحسب للشاعر أنه استطاع أن يضيف أبجديات التواصل الحديثة إلى لغة الشعر والغزل. فإذا كان العاشق قديما يكتفي بنظرة عابرة من محبوبته تعيش معه عاما كاملا، فالوصال الذي ضنّت عليه به محبوبته يمكن أن يتم عن طريق نقرة واحدة على شاشة جهاز خلوي أو زر حاسب آلي.
أظل أرقب صفحاتي أقلّبها علّي أرى طيفها في بعض “إعجاب”
فمهما اختلف الزمان فجذوة العشق ولوعته واحدة.
لغة الشاعر جميلة وعاطفته متقدة، وهو بإصراره على تقديم قرابينه لجرح ما زال أخضر، منتظرا وصال حبيبة معرضة عنه دون يأس، يُحيي سيرة شعراء الغزل العذري القدامى أمثال قيس وكُثَيْر وجميل، وقد قارب جنونه جنونهم.

بقلم: عبدالله دعيس

Untitled-1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة