زينب ابو سالم تُبعث للحياة من جديد في مخيم عسكر

تاريخ النشر: 01/06/12 | 9:33

لم تستطع ان تتمالك دموع الحزن في عينيها وهي تقول:” جرح الحزن فتح علينا من جديد، اليوم عدت الى ذلك اليوم الذي استشهدت فيه ابنتي وهي في ريعان شبابها، فبعد 8 اعوام احتضنت رفات ابنتي ورأسها الذي فصل عن جسدها، لتدفن بالطريقة الاسلامية في مقابر الشهداء وليس الارقام، وكرمت كما يكرم الابطال بالقرب من عائلاتهم ومحبيهم، اليوم ابنتي استشهدت من جديد وبعثت للحياة من جديد ايضا” .

بهذه الكلمات عبرت سحر ابو سالم “ام عيسى” 46 عاما والدة الشهيدة زينب ابو سالم عقب تسليم رفات 91 شهيدا من شهداء مقابر الارقام ، بعد جهود السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس شخصيا .

زينب عيسى ابو سالم 18 عاما من مخيم عسكر للاجئين في مدينة نابلس، والتي استشهدت في التلة الفرنسية بمدينة القدس في 22من ايلول عام 2004, هي احد الأسماء التي خرجت من رقم (5117) سماها به الاحتلال في مقابر الارقام الجماعية لتكرم في قبر يحمل اسمها ويزوره عائلتها ومحبيها بعد ثماني اعوام من استشهادها .

تقول والدة زينب لم أتوانى يوما بالذهاب للمسئولين خلال 8 اعوام الماضية للمطالبة بجثمانها وكانت الوعود باتفاقية قريبة هي الجواب الدائم، الى أن أتى هذا اليوم الذي فتح باب العزاء في بيتنا من جديد مع اعلان قائمة أسماء الجثامين، وما رايت حينها الى أن وجه زينب ياتيني من بعيد لاستطيع ان اشتم تراب من رائحتها والمس قربها مني بعد هذه السنين الطويلة، اشعر بصدمة قوية الأن وحالة عزلة مشابهة للوضع النفسي الذي دخلناه يوم استشهادها.

التاريخ يعود

فبعد الاعلان عن الاسماء لم تستطع والدتها الا أن تتذكر شريط في حياة زينب وتذكر ذلك اليوم التي خرجت به دون عودة وتطايرت في سماء القدس لتصبح راسا دون جسد .

فلم تنم زينب ليلتها وهي تتأمل بحاجيتها وصور عائلتها ودفاترها وشهادة الثانوية العامة التي لم يمض شهران على حصولها عليها، وتنظر من النافذة لترى ازدحام المباني في المخيم . أتى الصباح ولا تزال زينب مستيقظة نظرت لوالدتها بترقب وودعتها بصمت مؤلم وقالت وهي خارجة “امي شاهدي قناة الجزيرة هنالك خبر ستسرين به فلم تكن والدتها تعلم ان هدية عيد ميلادها بعد يومين من قبل ابنتها زينب ستكون روحها التي اهدتها للوطن ولفلسطين.

صدمت والدتها وشعرت ان هناك شيئا ليس على مايرام لحقت بها فلم تدركها وكانت زينب قد تمكنت من صعود التاكسي ، هاتف شقيقاتها وصديقاتها لتسال اذ كانت احد راها ، لتقول بالنهاية لشقيقتها “زينب ذهبت ولن تعود ” وليكون حدس الام صادق دائما

ولم تكن زينب اكثر من فتاة فلسطينية حملت قضية وطنها بصمت ،عاشت فترة الانتفاضة الثانية مثل أي مواطن فلسطيني اخر ،شعرت بالألم وهي تودع قوافل من الشهداء وتتعاطف مع الجرحى ، رأت مشاهد الهدم والتدمير والتشريد أمام ناظريها دفنت ألمها في داخلها واستمرت ، لم تكن تتوانى عن الاعتصام والاحتجاج ضد السياسات الاسرائيلية لقمعية، فتعرضت في عام 2003 للإصابة خلال تظاهرة كانت مقامة امام مقر الشرطة في مدينة نابلس ، ولم تمض مدة زمنية كافية لتلتأم جراحها حتى اغتال الأحتلال احد اقربائها لتودعه بدموع الحسرة ويعتقل زميلاتها في المدرسة ولتقرر في النهاية بأن جسدها الصغير سينتقم لهذا الوطن،وانها ربما ستخرج رفاتها بعد اعوام من مقابر الارقام لتدفن في قبر يحمل اسمها وتاريخ بطولتها ويسكن جثمانها بالقرب من عائلتها.

شحوب عامها الأخير

“لم ارى زينب شاحبة مثل ذاك الوقت انطفئت شمعتها وذهبت روح الحياة من جسدها ،فلم تكن تضحك الا مجاملة ،كنت أرى بركان يشتعل من عينيها الواسعتين وكانت دائما شاردة الذهن، حتى في حفلة نجاحها في الثانوية كانت شاردة حزينة ومشتتة ” .هكذا عبرت صديقتها منذ أيام الطفولة سماح محمد عن حال زينب في عامها الأخير .

انهت زينب امتحان الثانوية العامة بنجاح ولكنها رفضت الالتحاق باي جامعة بحجة انها تريد ان تاخذ قسطا من الراحة لفترة قصيرة ،لتبقى في المنزل شاردة دوما وبلا طموح للمستقبل ،كما ورفضت الارتباط والزواج فلم تكن تريد حينها تريد أن تزف لأي فارس في الحياة ورأت يوم زفافها وهي تزف مع شهداء الوطن.

وفي يوم عيد ميلادها فاجئوها صديقاتها بحفلة صغيرة تعيد البهجة لقلبها ، وعند وصولهم وجدوها لا تزال نائمة وانهارت بالبكاء عند رؤيتهن يحتفلن بها وهي تحضر للاحتفال بتوديع الحياة، لاحتضان الموت بعد عشرة ايام فقط .

بيومها القبل الاخير هاتفت شقيقاتها وطلبت منهن القدوم الى المنزل لانها تريد الاحتفال بهن بدون مناسبة تذكر .وحضرت مائدة من الطعام والحلويات والشراب، واستقبلتهن بشغف وفرحة ،ومن ثم وزعت تركتها عليهم من ملابس ومصاغ وحلي .فاستغربن من هذا الكرم الذي اتى بغير سابق انذار من قبل زينب فقالت: انني انوي البدء بحياة جديدة بدون أي ذكرى من الماضي فابتسمن وظنوا انها واخيرا ستخرج من سباتها المنزلي لتلتحق بجامعة وتبدأ بالتجهيز لمستقبلها، ولم يكن يعلمن انها تحضر لأخرتها

تراب القدس يحضن اشلائها

في الثاني والعشرين من ايلول عام 2004 وصلت زينب لمدينة القدس وهي تحمل عدة كيلو غرامات من المتفجرات في حقيبتها، توجهت الى محطة للحافلات في منطقة التلة الفرنسية ،فشك بامرها احد افراد جيش الحدود ليوقفها ويطلب تفتيش حقيبتها واوراقها الثبوتية ،فجادلته لبضع ثواني ومن ثم فجرت نفسها ، في تمام الساعة 3:40 مساء، لقي الجندي مصرعه وجندي اخر كان قريبا منه وأصيب 16 اسرائيلي بجراح تراوحت ما بين الخطيرة والمتوسطة.

تمكن مصور من وكالة فرانس برس من التقاط صورة لراسها بعدما تطاير جسدها أشلاء في فضاء القدس .

تبنت كتائب شهداء الاقصى تلك العملية واعلنت عن اسم منفذتها لتتعالى الصيحات والتكبيرات في سماء المخيم الذي لم يتوقع احد من تلك الفتاه الصغيرة ان تكون تلك القنبلة الموقوتة، ولم تكن والدتها تنتظر اسم زينب لانها منذ ان سمعت بوقوع عملية في القدس علمت انها زينب وانهارت ونقلت الى المستشفى .

في تمام الساعة الثانية فجرا أتت حافلتان من الجنود وجرافات الاحتلال الى مخيم عسكر ومنزل زينب تحديدا ،ليدخلوا غرفتها ويحاولوا من معرفة شيء خاص بها او يشير الى من جندها الا أن زينب كانت اوعى منهم ولم تبقي شيء في غرفتها، ففجروا المنزل فيما بعد .

كان يملك والد زينب محطة تلفزيونية محلية تدعى (قصر النيل ) وكانت زينب تقدم بعض البرامج منذ صغرها، وكان طموحها ان تكون مراسلة صحافية في قناة تلفزيونية شهيرة لتتمكن من نقل ما يعانيه الشعب الفلسطيني لجميع أرجاء العالم، ولكنها تنازلت عن طموحها لأجل القضية لتصبح سبق صحافي لدى الصحافيين في يوم استشهادها واليوم عند الافراج عن رفاتها.

شروق زيد, غزة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة