آمــال عـوّاد رضــوان تصدح شعرًا في قلعــة بيـت ساحـور

تاريخ النشر: 27/05/12 | 5:58

أقام نادي سيدات بيت ساحور  أمسية شعريّة موسيقيّة،وسط حضور لافت ومميّز من السيّدات المثقفات،ومن المثقفين والمهتمين بالشؤون الثقافيّة والفنيّة والاجتماعية في مدينة بيت ساحور وبيت لحم،وعضوة المجلس البلدي جانيت إبراهيم،ومدير القاعة مجدي الشوملي،وذلك في مطعم قلعة بيت ساحور،ذاك المكان بعقداته العتيقة المميّزة،والذي كان يُشكّل مدرسة أرثوذكسية في مراحل سابقة،وكأنّما يوحي المكان بأنّ قلعة بيت ساحور ما زالت قائمة وتتجدد وتتواصل مع الثقافة والحضارة بكلّ جديد،ولم تتمكّن من محوها أشكالُ التطوّر العمرانيّ والثقافيّ الجديدة،ولا تقادُم الاجيال،وقد كانت تعطّر المكان في استقبال الوافدين معزوفاتٌ موسيقيّة بأنغام شجيّة،تعزفها على الفلوت الفنانّة هلا جابر أستاذة الفلوت في معهد إدوارد سعيد للموسيقا.

وقد قامت رئيسة النادي السيّدة “ميّ جميل” جابر بالترحيب بالحضور وبالشاعرة الجليليّة “آمال عوّاد رضوان”،وقالت بأنّ بيت ساحور بأمسيتها هذه تحتضن الشاعرتيْن آمال عوّاد رضوان وروز شوملي،لِتُجَسّد بداية وانطلاقة نحو استضافات أدبيّة دوريّة هادفة بين أبناء الوطن الواحد،رغم سيل الممنوعات المتمثلة بحواجز المنع والتفتيش،وهنا يصدح الشّعر اليوم عبر كاتبة وشاعرة لها من المؤلفات،كما لها من الحضور الأدبيّ والفكري والإنسانيّ،وهنا في قلعة بيت ساحور يزدان التراث بالشعر والموسيقا في أمسية تمتاز بالخصوصيّة التي أرادها نادي بيت ساحور مَعبَرًا لأمسياته القادمة وأنشطته المختلفة.

وقد بدت الشاعرة والكاتبة روز الشوملي عريفة هذه الأمسية أكثر تأثرًا بالمكان،وقالت في معرض تقديمها للشاعرة آمال عوّاد رضوان للحضور:”في هذا المكان العتيق الحميم العابق بالتراث الأصيل يحلو الأدب والشعر والفن، ونحن إذ نلتقي اليوم بالشاعرة آمال عوّاد رضوان، نكسر حاجزًا هامًّا لطالما منَعَ التواصل بين أجنحة الوطن المختلفة”.

وقدّمت الشاعرة روز الشوملي نبذة عن السيرة الذاتية للشاعرة الفلسطينية الجليليّة “آمال عوّاد رضوان”،مُعرّفة الحضور الذي غصّت به قاعة مطعم القلعة في مدينة حقل الرّعاة بمسيرة الشاعرة وانطلاقتها فقالت:

الشاعرة “آمال عوّاد رضوان”من قرية عبلين في الجليل تصف نفسها بأنّها ليست سوى طفلةٍ خضراءَ،انبثقتْ مِن رمادِ وطن مسفوكٍ في عشٍّ فينيقيٍّ منذ أمدٍ بعيد!أتتْ بها الأقدارُ،على منحنى لحظةٍ تتـّقدُ بأحلامٍ مستحيلةٍ،في لجّةِ عتمٍ يزدهرُ بالمآسي،وما فتئتْ تتبتـّلُ وتعزفُ بناي حُزْنِها المبحوحِ إشراقاتِها الغائمةَ،وما انفكّتْ تتهادى على حوافِّ قطرةٍ مقدَّسةٍ مفعمةٍ بنبضِ شعاعٍ، أسْمَوْهُ “الحياة”!

ككل الشعراء،حينما تغويهم الكلمة ويتصيّدهم الإيقاع،اكتشفت مبكّرة آمال شهوة القراءة،فأسَرَتها حدّ التصوّف والتعبّد،وكانَ القلم المخفيّ في جيبِ سترتِها في جهوزيّة لاحتضانه،تكتب وتُمزّقَ ما خطّتْهُ ونسجَتْهُ مِن خيوطِ وجْدِها، لتمحوَ كلّ أثرٍ يُبيحُ للآخر أن يُدركَ ما يعتملُ في نفسِها,وكالشعراء الحقيقيّين كان التساؤل حول الذات والآخر والكون،في سياق وطن يرتعُ في شهقاتِ ألمٍ تعتصرُ أملاً مِن كرومِ المستحيل,تقول:”سحر الكلمات”هو عجوزي المستعارُ،وراعي انتظاراتي المؤجّلةِ بفوّهةِ مغارتِهِ الخضراء،يحرسُ بتمائمِهِ ومشاعلِهِ عرائشَ كرومي،عندما تسلّقتْ عليها دوالي قلبي وذاكرتي المنهوبةُ، ونصوصي الوجدانيّةُ المكدّسةُ على رفوفِ فسحاتٍ تعذّرَ التقاطُها،وبعشوائيّةٍ لذيذةٍ انفرطتْ قطوفُ أساريرِها على أطباقِ البراءة عبْرَ صفحاتِ النّت،لتؤبّدَ دهشةَ صمتٍ عبَرَتْ كالرّيح، فوقَ ظلالِ الفصولِ والعمر،إلى أنْ كانتْ ومضةٌ مخصّبةٌ بأحضانِ سحابةٍ متنكِّرةٍ،تراذذتْ من جلبابِها “آمال عوّاد رضوان”،ومنذُها،وآمال لمّا تزل آمالُها حتّى اللّحظة.

في مجال الشعر،لها ثلاث مجموعات شعرية،وفي الأنثولوجيا شاركت في جمع وتحرير ثلاث كتب تشكّل مرجعًا هامًّا لما خطته أقلام كتاب وشعراء،ونقاد فلسطين التاريخيّة،وشعراء عرب من شعر وشهادات،وقراءات نقديّة.

وجاء هذا التقديم مقدّمة لاعتلاء آمال رضوان منصّة الشعر، للتعريف بنفسها وتجربتها في استعراض لانطلاقتها الصّامتة من وراء الكواليس، قبل أن تقول كلمتها في المحافل الثقافيّة على صعيدَي الوطن وخارجه،فأعربت عن حبّها للشعر ولثقافة الوطن ومثقفيه من الجيل القديم الذي ما زال راسخًا في الوجدان،مشيرة في الوقت ذاته إلى أنّ جزءًا من الشعراء والأدباء لم يأخذوا حقهم الإعلاميّ والاعتباريّ والثقافيّ،لعدم ولائهم للحزب أو المؤسسة أو ..الخ.

وأظهرت الفقرة الثانية مستوى الترتيب العالي لهذه الأمسية،فحملت الفقرة الأولى لون الشعر والموسيقا،ودمجت بين الفن والإبداع من خلال تقديم مقطوعة موسيقيّة على الفلوت قدّمتها الفنانة هلا جابر، بعد أن أشارت الشاعرة روز الشوملي إلى عشق آمال عوّاد رضوان للموسيقا والغناء، بتعلّمها العزفَ على الكمانِ منذ تفتّحتْ أناملُ طفولتِها على الأوتار وسلالم الموسيقا،ومن خلال مداعبتها الأناشيد المدرسيّةُ والتّرانيمُ لحنجرتَها،كما عشقتْ الرّقصَ الشّعبيّ، وشاركت في فرقةِ دبكةٍ شعبيّةٍ،إضافةً إلى نشاطاتٍ كشفيّةٍ،فبدأت في جوقةِ المدرسةِ،لتنتهي في كورال “جوقة الكروان” الفلسطينيّة!

وجاءت الفقرة الثالثة من الأمسية حول الشعر في تجربة آمال عوّاد رضوان،من خلال مجموعتها الشعريّة الأولى “بسمة لوزية تتوهّج” الصادرة في العام 2005، لتقدّم الشاعرة موجزًا عن هذه التجربة،ومقتطفات من قصائد ممّا تضمّنته هذه المجموعة الشعريّة.

واستعرضت الفقرة الرابعة من الأمسية المجموعة الشعريّة الثانية للشاعرة “سلامي لك مطرا”،عبر قصيدة عُصْفُورَةُ النَّارْ..مُهْرَةُ الشِّعْرِ الأصِيلَة،فقال عن شعرها الأديب والناقد المصري د. إبراهيم سعد الدين:شِعر آمال عوّاد رضوان ليسَ كغيره من مألوفِ الشِّعْر..لا لأنّ له طعمًا خاصّا ومذاقًا فريدًا ونكهةً مُمَيَّزةً فحسْب..بل أيضًا لأنّه يحتاجُ قراءةً خاصّة، فهو ليس ذلك النوعُ من الشعر الذي تقرؤه على عجل،وتكتبُ عنه انطباعاتٍ سريعةً عابرة،وإنما ينبغي عليكَ أن تتهيَّأ لقراءته بكثيرٍ من الصبرِ والحَيْطةِ والحَذَرْ،فهو أشبه بوردةٍ برّيّة لن تتمكن من استنشاقِ عبيرها دون أن تُدْمِي أصابعك بوخز أشواكها، وهو أشبه بالعَسَل الجَبَليّ،لن تشعرَ بحلاوته المُسْكرة في فمك دون أن تحتمل لدغات النحل،ثمّ إنّه يتطلبُ من قارئه مراسًا ودَرَبَةً ومعايشةً واستئناسًا،فلا تتعجّل الكتابة عنه بعد قراءته،لأنه يحتاجُ منك قراءة ثانية وثالثة،وفي كلّ مرّة ستجد نفسك في حاجةٍ إلى معاودة النظر،والإطلال مرّة أخرى على هذا العالم،فكلّ قراءة جديدة قد تُقَرِّبُكَ منه خطوة،لكنها بالتأكيد لن تُسْلِمَك مفاتيح هذا العالم المليء بالرّموز والمجاهل والأسرار.

قصارى القول أنك إزاء هذا العالم ينبغي أن تَسْتَنْفرَ كلّ حواسِّك،وتتسلَّحَ بكلّ ما يمكنك من نفاذ البصيرة وحدّة الإدراك وملكاتِ التذوق،فالقصيدة هنا أشبه بمُهرةٍ بَرِّيَّة جامحة،لا يقدر على ترويضها واعتلاء صهوتها غير خَيّالٍ أصيلٍ متمرّسٍ بالخيْلِ والشعرِ معًا.

وتعرّضت روز الشوملي إلى المقدّمة التي وضعها د. إبراهيم سعد الدّين لمجموعتها الثانية”سلامي لك مطرًا”،حيث يقول عن تجربتها الشعريّة:هي واحدة من تجارب التحديث الأصيلة للقصيدة العربيّة،لأنّها تتحرّر من بعض موروثات الشّعر العربيّ وتقاليده الرّاسخة دون أن تفرط في جوهره،بل على العكس من ذلك تنزع إلى إحياء ما تقادم عليه العهد، وتعيد الاعتبار إلى كنوز البلاغة العربية مثل الجناس والطباق وغيرها من المُحسّنات البديعيّة،لتختتم هذه الفقرة بقراءة من الشاعرة آمال عوّاد رضوان لقصائد من مجموعتها سلامي لك مطرًا.

وتضمّنت الفقرة الخامسة من الأمسية استعراضًا لآمال عوّاد رضوان في إصدارها الشعريّ “رحلة إلى عنوان مفقود”:حيث يصف د منير توما مجموعة”رحلة الى عنوان مفقود”بأنّ هناك سيطرة لنمط القصيدة الغنائيّة على مجمل تجربة الشاعرة،فهي بوح الذات،همومها،صدْمتها إزاء الآخر،وما إلى ذلك من خصوصيّات الإنسان العاشق والمعشوق،وبالتالي تظهر سيطرة ضمير الأنا عند آمال عوّاد رضوان،والذي يتمثّل في تضخيم أنا الشاعر،لتصير هي المرجعَ الرئيسيّ لكلّ شيء،هي الحُكَم والحالة،وبالتالي دوران ثيمات النصّ حول ذات الشاعرة، ممّا يقلل من إمكانية التقاط الجمعيّ،لأن الذات لا ترى إلاّ خصوصيّتها،وخصوصيّة وعيها وموقفها،باعتبار هذا الوعي وهذا الموقف،هما الحقيقة الوحيدة المقبولة،وتظلّ عندها مهارة الشاعرة في البناء وفي التقاط اليوميّ وإعادة توظيفه،وفي إعادة بناء التفاصيل عبر انزياحات اللغة،وعن طريق الصّورة الشعريّة،وهذا ما يميّز شاعرتنا في هذا الإطار الفنيّ للكلمة الشعريّة النابضة بالعذوبة.

وكانت هناك قراءة نماذج شعريّة من ديوان “رحلة إلى عنوان مفقود”,أمّا الفقرة السادسة عن الأنثولوجيا فاقتبست العريفة روز فقرة تقول:ترَكْتنا على صهوة السرعة!وها هو الحصان وحيدًا..تركَنا محمود درويش مثل قمر نحاسيّ يسقط في مرايا البياض ولجّة الغياب،برحيله،نفتقد روحًا وثابة،أقلّ سماتها الانتباه الجمّ،والتوتر الكامن في زوايا الكلام،وحقول القصيدة التي حرص محمود درويش على تعشيبها”.

هذا ما جاء في مقدمة الكتاب الذي قامت آمال رضوان بإعداده مع محمّد حلمي الريشة،اللذيْن قاما بإعداد وتحرير كتاب محمود درويش”صورة الشاعر بعيون فلسطينيّة خضراء”، وقد اشتملَ الكتابُ على نصوصٍ شعريّةٍ وشهاداتٍ وقراءاتٍ أنجزَها عددٌ منَ الشّعراءِ والكتّابِ والمثقّفينَ والسّياسيّين بلغَ عددُهم في الكتاب 51،كلهم من الّذين يقيمونَ في الجزءِ الفلسطينيّ المحتلّ 1948.

وتحدّثت آمال عوّاد رضوان عن تجربتها مع الانثولوجيا،وعن د. خليل عودة عميد كلية النجاح في نابلس،والذي أولاها المهمّة لإصدار كتيّب فلسطينيّ من الشقيْن في اربعين محمود درويش،وتحدثت حول الظروف والمناسبة التي دعت إلى هذا الإصدار.

كما قدّمت للحضور وجهتها التأمليّة والفكريّة لما تعنيه لحظة البيت الأوّل من القصيدة،وهو ما حمله إصدارها “الإشراقة المجنحة”،الذي ضمّ 131 شاعرًا/ة عربيًّاً/ة, والذي قام بإعداده وتحريره كلّ من آمال عوّاد رضوان ومحمّد حلمي الريشة عام 2007،والذي قال د.شربل داغر في مقدّمته للكتاب”عن لحظة القصيدة الأولى:”قد يتجه الشاعر نحوها،إلاّ أنّها قد تأتي إليه”.

وقد عرّجت الشاعرة روز شوملي على كتاب “نوارس من البحر البعيد القريب”،الذي أُصدر عام 2008،واستهدف المشهد الشعريّ الجديد في فلسطين المحتلة عام 1948،وقد قام بإعداده كلّ من آمال عوّاد رضوان ومحمّد حلمي الريشة،وقد تحدثت آمال عن هذه التجربة ودواعيها ودوافعها،وعن هذا الكتاب الذي شمل مقتطفات شعرية لشعراء ولدوا بعد النكبة،وأسباب هذا التخصيص.

وفي الفقرة الأخيرة فُتح باب الأسئلة للجمهور وللمحاورة، وقامت الشاعرة روز شوملي بشكر الحضور واهتمامهم بالوجه الثقافيّ.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة