الديمقراطية… وحكاية القنفذ والحية

تاريخ النشر: 15/09/14 | 8:58

يُقال أن قنفذاً وبريشة الشوكي الحاد والذي يغطّي جميع أنحاء جسده، دخل جُحر حيّةٍ (أي ثعبان) اختبأت داخله هرباً من الحر القائظ، دخله القنفذ دون استئذان من صاحبة الجحر طالباً الرطوبة والبرودة، وكان أن أثار دخوله المفاجىء هذا حفيظة الحيّة، فصرخت في وجهه قائلةً: ومن سمح لك بالدخول دون استئذان وكلّك أذىً وأنت تحمل على جسدك هذه الأشواك الضارة المؤلمة، فجلدي الناعم الأملس لا يحتملك وأشواكك هذه… أخرج من بيتي فأنت ضيف ثقيل الظل غير مرغوب فيك… نظر القنفذ إليها نظرة ازدراء واحتقار وهو يعرف حق المعرفة أنها لن تتمكن من إيذائه أو دسّ السم في جسده فقال لها: أنا باقٍ هنا والمتضايق منا يخرج (يطلع برّه)…
ومنطق قنفذنا هذا ينطبق على بعض التصّرفات التي تصادفنا أحيناً كثيرة في حياتنا اليومية.. وهذه الحكاية ذكرتني بحكاية ممثالة حدثت قبل قرابة الثلاثة عقود مع شاب جلس إلى جانبنا على المقعد الخشبي في الحديقة العامة بملابسه وحذاءه العصرية وقصّة شعر رأسه التي تذكرنا بحكاية الحلاق الثرثار، هذه الحكاية التي التي درسنّاها لطلاب الصفوف الابتدائية وملخصّها أن حلاقاً ثرثاراً هذا رسم خريطة في رأس زبونه وهو يعمل طرقاً في رأسه قائلاً: من هنا مر الجيش الفلاني ومن هنا مر الجيش الآخر وهكذا دواليك ليصبح رأس الزبون أشبه بالخارطة… وما كاد قفا هذا الشاب يلمس المقعد الذي أجلس عليه أنا وزميلي أحمد حتى أدار مفتاح مذياعه المسجّل ليصدح وبصوت عالٍ تجاوبت أصداؤه في أنحاء الحديقة العامة. وأتوجه إليه بطلبٍ وبلطف أن يخفض هذا الصوت المزعج لكل من في الحديقة، ويجيبني بصوت ينمّ عن الاستغراب والاستهجان لمثل هذا الطلب ليقول لي:«صوت أم كلثوم، كوكب الشرق لا يُخنق… ويجب أن يصدح عالياً… وأحاول إقناعه أنني لا أريد لهذا الصوت أن يُخنق وأن اعتزازي وعشقي له لا يقلّ عن اعتزازه… وأضفت ممازحاً: كل ما أصبو إليه من خفض صوت المذياع هو أن تهمس لك كوكب الشرق همساً حتى لا يسمع غرامكما أحد منا… ولكن هيهات وتظهر على الشاب علامات الحدّة والنرفزة ويُصدر حكماً صارماً لا رجعة فيه: المتضايق يرحل… أنا حر في تصرّفي… أنا أعيش في دولة ديمقراطية!!1 قلت له: وأنا أرى فيه مثل حجر الحَبَلِه كما يقولون عندنا (أي الحجر الذي تحاول أن تصعّده المرتفع- الحَبَلِه ولا تقدر): معك حق، وقمت وزميلي وغادرنا الحديقة العامة، وتذكرت عندها حكاية القنفذ والحيّه (المتضايق يطلع)».

ويقال هذا المثل بشكل آخر «حرذون فات عحيّة»

الأستاذ حسني بيادسه

7osnebiadse

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة