أسباب التغير المناخي والعوامل المؤثرة على المناخ

تاريخ النشر: 08/11/14 | 0:01

يمثل الغلاف الجوي الغازي نظاماً حرارياً حركياً ثيرموديناميكي (Thermodynamic)، تنتقل فيه الطاقة الحرارية عبر حركة الهواء والرياح من مكان الى آخر داخل هذا النظام وتؤدي الى تغيرات مناخية بعضها قصير الامد وتسمى بالطقس وبعضها طويلة الامد وتسمى بالمناخ. ويعرف الطقس بانه “حالة الغلاف الجوي (درجة الحرارة والأمطار والضغط الجوي والرياح … الخ) في مكان ما خلال فترة وجيزة من الزمن تتراوح بين الساعة الواحدة الى عدة شهور”، وقد يتغير الطقس بين ساعة واخرى او من يوم الى آخر او من فصل الى فصل آخر في نفس المكان. ويعرف المناخ بانه “حالة نظام الغلاف الجوي في مكان ما خلال فترة طويلة من الزمن تقدر بعدة عقود من السنين”. وتعد حالات المناخ محصلة وتراكم لحالات الطقس قصيرة الامد. ان حالة المناخ هي حالة شمولية للنظام الثيرموديناميكي للغلاف الجوي تجري خلال فترة طويلة من الزمن في مكان معين وقد تشمل منطقة معينة ودولة معينة واقليم مناخي وقارة او حتى الكرة الارضية باكملها. اما النظام المناخي فهو “الحالة الناتجة عن تفاعل مجموعة من الانظمة المترابطة والتي تمثل الغلاف الجوي والمحيطات والبحار والبحيرات والانهار والاجزاء اليابسة من الارض (القارات) بعضها مع البعض الاخر مما يؤثر على النظم البيئية والطبيعية الموجودة على سطح كوكب الارض. واذا كان الغلاف الجوي (Atmosphere) يمثل نظاماً مناخياً تنتقل فيه الحرارة والرياح والامطار من مكان الى اخر وتؤثر في الانظمة الاخرى فان الغلاف المائي (Hydrosphere) والذي يتكون من المحيطات والبحار والبحيرات والانهار وجليد القطبين يمثل نظاماً مؤثراً في المناخ. اذ يقوم هذا النظام بتزويد الغلاف الجوي بالرطوبة (بخار الماء) ويعتبر عامل اساسي في تلطيف (خفض) درجة حرارة الأرض من خلال قوة امتصاصه العالية للاشعة الشمسية الحرارية ونفاذيته العالية لها. كما ويمتص الغلاف المائي ما نسبته 25% من تركيزات غاز ثاني اوكسيد الكربون المنطلقة الى الغلاف الغازي. اما الاجزاء اليابسة من كوكب الارض فتتكون من الجبال والوديان والصحارى والسهول والهضاب وتحتوي على مجموعة من الانظمة الطبيعية والحيوية (Biosphere) والبشرية (Anthropologicalsphere ) والجليدية (Cryosphere ) (Latif, 2006).

ترتبط هذه الانظمة المعقدة ومكوناتها مع بعضها البعض بواسطة عملية جريان الطاقة الحرارية فيما بينها وتكون وحدة متفاعلة تحدد نوعية المناخ وتغيراته وتؤثر به.

العوامل المؤثرة في المناخ
هناك مجموعة من العوامل تؤثر وتتحكم بنوعية المناخ والطقس ولها يعود كل تغيير يحصل على المناخ سواءا كان محلياً او اقليمياً او قارياً.
1. الاشعاعات الشمسية الحرارية الواصلة الى الارض
تعد الشمس أهم العوامل المؤثرة في المناخ وذلك لانها مصدر الطاقة الرئيسي الذي يزود الارض بالحرارة والطاقة اللازمة لاستمرار الحياة ولولا الطاقة الشمسية لتحولت الارض الى كوكب بارد ذي درجة حرارة منخفضة وإنعدمت سبل الحياة فيه. تدور الأرض في فضاء منخفض الحرارة ذي درجة حرارة بحوالي 70 درجة مئوية تحت الصفر (صالح, 2007). ان الشكل الدائري للارض ودورانها حول الشمس يجعل اجزائها تتلقى مقادير متباينة من الاشعة الشمسية الحرارية. إذ تسقط اشعه الشمس بشكل عمودي او شبه عمودي على المناطق الاستوائية والمدارية للارض وبذلك تكون هذه المناطق اكثر تعرضاً لاشعة الشمس وحرارتها من المناطق الشمالية والجنوبية والقطبين الشمالي والجنوبي للارض حيث تسقط الاشعة الشمسية عليها بشكل مائل دائماً. وتنخفض نسبة الاشعة الشمسية الساقطة على مناطق خطوط العرض الشمالية والجنوبية ومنطقة القطبين بنسبة 80% مقارنة بالنسبة نفسها من الاشعة الساقطة على المناطق الاستوائية. تفسر هذه الاختلافات التباين الكبير بين مناخ المناطق القطبية من جهة والمناطق الاستوائية من جهة اخرى في معدلات درجة الحرارة. وبسبب التباين الشاسع في كمية وشدة الاشعة الواصلة الى بعض المناطق من الارض نلاحظ تبايناً واضحاً في كمية الامطار والثلوج الساقطة وسرعة الرياح والضغط الجوي والتشمس والاضاءة واختلاف اطوال الليل والنهار ودرجة حرارة الرياح والمياه. شهد القرن الماضي إرتفاعاً في النشاط الشمسي بلغ حوالي 0.35 واط للمتر المربع الواحد (Lean, 1995). هذا الإرتفاع في النشاط الشمسي لا يمكن له أن يفسر الإرتفاع الذي حصل في درجة حرارة كوكب الأرض ويبقى العامل البشري هو المسبب الأساسي في هذا الإرتفاع (Foulak, 2004).

6

2. طبيعة السطوح والوانها ومعامل الإنعكاس (البيدو Albedo)
تؤثر طبيعة السطوح والاجسام (ملساء او خشنة) والوانها (فاتحة او داكنة) في عكس الأشعة الشمسية الحرارية وإمتصاصها. إذ تقوم السطوح البيضاء وفاتحة اللون والملساء مثل الجليد والرمل بعكس كميات أكبر من الأشعة الشمسية بينما تقوم السطوح الخشنة والمتعرجة وداكنة اللون بإمتصاص او تشتيت هذه الأشعة بنسب اكبر عن المتوسط، ويكون معامل الإنعكاس للبقع فاتحة اللون والملساء عالياً بينما يكون منخفضاً للبقع الداكنة والخشنة. لذلك تقوم البقع الجليدية في القطبين الشمالي والجنوبي وفي جزيرة ايسلاند بعكس كميات كبيرة من الأشعة الشمسية وبذلك تقوم بتخفيض درجة حرارة الارض وغلافها الغازي بينما تقوم الغابات مثلا بامتصاص كميات كبيرة من الأشعة الشمسية وبذلك ترفع من درجة حرارة الارض. ويعتمد معامل الإنعكاس (انعكاس الاشعة الشمسية وعودتها للفضاء الخارجي) لكوكب الارض على عدة عوامل اهمها ارتفاع عدد السكان وزياده حجم المباني والتعمير وحجم البقع الجليدية الموجودة على سطح الارض وكمية الاراضي المزروعة واخيراً لون الطبقة السطحية للارض. وتبلغ نسبة معامل الإنعكاس للارض حالياً 3% بالاعتماد على العوامل المذكورة انفا.
من جانب اخر يلعب المكان وكيفية سقوط الأشعة ( مائلة او عمودية ) دوراً مهماً في ظاهرة البيدو. من الملاحظ ان اللأشعة الشمسية تسقط بشكل مائل على الأجزاء الشمالية والجنوبية من الأرض وبشكل خاص القطبين الشمالي والجنوبي وتنعكس بنفس زاوية السقوط ناهيك عن لون الثلج والجليد الذي يعكس بدوره كميات أكبر من الأشعة.
يكون سقوط الأشعة الشمسية بشكل عمودي أو شبه عمودي في المناطق الإستوائية والمدارية مما يسمح بامتصاص أكبر للاشعة يضاف الى ذلك إن هذه المناطق تكون داكنة اللون أكثر من القطبين (منطقة بيضاء ثلجية) وهذا ما يتيح نسبة إمتصاص أكبر للأشعة الشمسية مما هو عليه في الأجزاء الشمالية والجنوبية للأرض. وهنا تجدر الإشارة ألى ان كروية الارض ودورانها حول الشمس يجعل الأشعة الشمسية الحرارية تصل إلى المناطق الإستوائية في وقت اقل مما هو عليه في المناطق القطبية وذلك لان المسافة بين خط الاستواء والشمس تكون أقصر وهذا ما يفسر سقوط الأشعة بشكل عمودي او شبه عمودي على هذه المناطق . تفقد الأشعة الشمسية اثناء مرورها في الفضاء الخارجي جزءاً من الحرارة والطاقة لذلك نرى ان الأشعة الساقطة على القطبين تكون حرارتها وطاقتها أقل من مثيلاتها ألتي تسقط على المناطق الإستوائية وهذا ما يفسر إرتفاع درجة الحرارة في المناطق الاستوائية عن المناطق القطبية.

3. المسطحات المائية (المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار)
تلعب المسطحات المائية دوراً مهماً ومؤثراً في مناخ الأرض وهي تغطي حوالي 71% من مساحة سطح الكرة الأرضية وتتفاعل بشكل مباشر مع الغلاف الجوي (71% من الغلاف الجوي يقع فوق هذه المسطحات المائية). يؤدي إرتفاع درجة حرارة المسطحات المائية الى زيادة سرعة الكتل والتيارات الهوائية والرياح كما يزيد من سرعة تبخر الماء مما يرفع نسبة بخار الماء في الغلاف الجوي والذي يؤدي بدوره لزيادة تساقط الأمطار على سطح الكرة الأرضية وخصوصاً في المناطق القريبة من المحيطات والبحار. وبسبب المساحات الشاسعة للمسطحات المائية فانها تمثل خزانات عظيمة للطاقة الشمسية الحرارية وذلك لقدرتها الفائقة على إمتصاص الاشعة الشمسية بسبب نفاذيتها العالية للأشعة. تؤدي عملية الإمتصاص الزائد للطاقة الحرارية الشمسية الى رفع الطاقة الحركية لجزيئات الماء مما يؤدي الى تسريع عمليات التبخر وهذا بدوره يرفع نسبة تساقط الأمطار. كما تقوم هذه المسطحات المائية بتحرير واشعاع الطاقة الحرارية المخزونة لديها الى الغلاف الخارجي للأرض مما يساعد على رفع درجة حرارة الغلاف الجوي. تعد المحيطات والبحار مصدر للمنخفضات الجوية والعديد من الحالات الجوية المتطرفة مثل العواصف والأعاصير (مثل التسونامي وكاترينا والنينو). تقوم التيارات المائية بنقل الحرارة وتبادلها بين البقع الجغرافية للأرض وتؤثر بشكل كبير على المناطق الساحلية. وتلعب المسطحات المائية دوراً مهماً في تقليل تراكيز غاز ثناني اوكسيد الكربون في الغلاف الجوي. اذ تعد هذه المسطحات مغاطس طبيعية لهذا الغاز المسبب لظاهرة الإحتباس الحراري ولها القدرة على إمتصاص ما نسبته 25% من تركيزات هذا الغاز المنبعثة للغلاف الجوي. تساهم المسطحات المائية بدور مهم واساسي في تكوين مناخ الأرض كما وتلعب نفس الدور في التغيير المناخي لكوكب الأرض سواءاً كان هذا الدور سلبياً او ايجابياً.

4. المرتفعات (الجبال والهضاب)
تمتاز المرتفعات الجبلية بلطافة مناخها لانها ترتفع كثيراً عن مستويات سطح البحر ومعروف انه كلما إرتفعنا عن مستوى سطح البحر إنخفضت درجه الحرارة والضغط الجوي. في الوقت نفسه كلما إقتربنا من قمم الجبال العالية كلما إقتربت درجه الحرارة الى الصفر المئوي او انخفضت عن هذا المعدل. ينخفض الضغط الجوي كلما إرتفعنا وذلك لان طبقات الهواء وضغطها على اجسامنا تقل. وتعد الجبال بمثابة مصدات للتيارات الهوائية المنطلقة من المحيطات والبحار وهذا ما يساعد على هطول الأمطار والتقليل من تاثيرات هذه التيارات الهوائية على المناطق الداخلية والقارية. وتسود الأراضي الرطبة وشبه الرطبة في المناطق الجبلية المواجهة للمسطحات المائية بينما تسود المناطق المعاكسة للجبال والمناطق الداخلية المناخ شبه الجاف والصحراوي. كثيراً ما يغطي قمم المناطق المرتفعة (بشكل خاص جبال الهملايا والالب وقنديل….. الخ) الثلوج وهذا ما يساعد على خفض درجه الحرارة في الجبال والمناطق القريبة منها فيعتدل المناخ هناك.

5- التغير المناخي
يمكن تعريف التغير المناخي بانه اي تغيير او إخلال طويل الأمد يحصل في حالة المناخ نتيجة للتغير الحاصل في توازن الطاقة وسريانها ويكون مؤثراً في النظم البيئية والطبيعية. ويشير التغير المناخي ايضا الى التغير المستمر في مناخ الكرة الأرضية ناتج عن اسباب كونية او طبيعية او بشرية يؤثر سلباً على المحيط الحيوي ويؤدي لوقوع كوارث طبيعية مدمرة.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة