جديد في جامعة حيفا: تشخيص صعوبات تعلم القراءة والكتابة
تاريخ النشر: 28/08/14 | 14:10نسبة لا يُستهان بها من طلاب المرحلة الابتدائية يعانون من صعوبات في تعلّم قراءة وكتابة اللغة العربية مما يترتب عليه تكرار فشلهم ورسوبهم أحيانًا. إن التعرف على أنواع هذه الصعوبات، جوانب الضعف ومظاهر التعثّر القرائي والكتابي يساعد المعلمين والمختصين على كشف مبكر لهؤلاء الطلاب وعلى وضع الخطة المناسبة لعلاجهم قبل أن تستفحل المشكلة لتصبح مشكلة نفسية، اجتماعية وقومية، بحسب أقوال البروفيسور رفيق إبراهيم.
لقد عمل في السنوات الاخيرة طاقم باحثين مختصين الذي يشمل الدكتور إبراهيم اسدي، البروفيسور رفيق إبراهيم والبروفيسور ميخال شني من مركز أدموند ي. سفرا في أبحاث الدماغ و صعوبات ألتعلّم في جامعة حيفا، والدكتورة عنات بن سيمون من المعهد الوطني للامتحانات والتقييم (מאל”ו) على تطوير بطاريّة اختبارات حديثة تحت أسم “لغة ألقراءة” لتشخيص صعوبات تعلّم قراءة وكتابة اللغة العربية لدى طلاب المرحلة الابتدائية. ان بطاريّة الاختبارات هذه تعد من البطاريات المقننّة الرائدة في البلاد والعالم العربي والمعدّة لقياس القدرات القرائيّة ومظاهر التعثّر القرائي والكتابي لدى الفرد.
لقد أفرزت السنوات الأخيرة تطوراً هائلاً في دراسة النظريات المختلفة حول سيكولوجية القراءة وتعلّم مهارات القراءة والكتابة في اللغة العربية لدى الاطفال وطلاب السنين الاولى في المدرسة وذلك لأن مهارة القراءة باتت ضرورة ملحة لتوافقهم الدراسي والاجتماعي. فكما هو معلوم، يصادف بعض الطلاب صعوبات في تعلّم القراءة لأنهم لا يحسنون استنتاج المعنى مما يقرأون وخاصة في الصفوف الأعلى التي تتطلب مهارات أعلى للاستيعاب. لأهمية هذا الموضوع وتبعاته لا شك أن هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث المتعمقة والتخصصية في هذا المجال الذي ما زالت النظريات العلمية فيه مختلفة.
ماهي صعوبات تعلّم القراءة والكتابة
إن صعوبات تعلّم القراءة والكتابة هي نوع من صعوبات ألتعلّم العامة والتي تشمل مشكلات أخرى مثل القدرة على استخدام اللغة أو فهمها، أو القدرة على الإصغاء والتفكير والكلام أو العمليات الحسابية البسيطة، وقد تظهر هذه الصعوبات مجتمعة وقد تظهر منفردة. فغالبًا يسبق صعوبات تعلّم القراءة والكتابة مؤشرات مثل صعوبات في تعلّم اللغة الشفهية (المحكية)، فيظهر الطفل تأخرًا في اكتساب اللغة، وغالبًا يكون ذلك متصاحبًا بمشاكل نطقية، وينتج ذلك عن صعوبات في التعامل مع الرموز، حيث إن اللغة هي مجموعة من الرموز (من أصوات كلامية وبعد ذلك الحروف الهجائية) المتفق عليها بين متحدثي اللغة. فإذا ما حدثت صعوبة في فهم النص المكتوب دون وجود سبب لذلك (مثل مشاكل سمعية، بصرية أو انخفاض في القدرات الذهنية)، فإن ذلك يتم إرجاعه إلى كونه صعوبة في تعلّم هذه الرموز، وهو ما نطلق عليه صعوبات ألتعلّم.
تشخيص صعوبات ألتعلّم
البروفيسور رفيق إبراهيم يقول إن الشرط الأساسي لتشخيص صعوبة ألتعلّم هو وجود تأخر ملاحظ في ألاداء التحصيلي للطالب مقارنة بأبناء جيله ممن هم في نفس الظروف الاجتماعية والاقتصادية والصحية، وعدم وجود سبب عضوي (مشاكل سمعية، بصرية) أو ذهني لهذا التأخر. إن ذوي صعوبات ألتعلّم تكون قدراتهم الذهنية طبيعية عادة، أو أقرب للطبيعية وقد يكونون من الموهوبين أحيانًا. فكما ذكر سابقا، صعوبات ألتعلّم ترجع في اغلب ألاحيان إلى صعوبات في عمليات الإدراك نتيجة خلل بسيط في أداء الدماغ لوظيفته وليس لأعاقة في القدرة السمعية أو البصرية أو الحركية أو الذهنية أو الانفعالية. ولكن هنالك مشاكل أخرى في القراءة والكتابة لدى الطلاب والتي لا تعود أسبابها الى أداء الدماغ لوظيفته، أنما قد يكون سببها عدم تدريب صحيح وكافي في مرحلة ألاكتساب ألقرائي وذلك يعتبر بالتالي مشكلة بيئية ومدرسية، وربما قد يكون هذا الجزء هو الجزء ألأكبر من الأشخاص الذين يواجهون مشاكل في القراءة. في هذا السياق يضيف البروفيسور رفيق إبراهيم أنه هناك دراسات أخرى حول خبرة ومعرفة مدرسي القراءة والتي من المؤسف تشير إلى أن الكثير منهم غير مؤهلين بطريقة صحيحة لتدريس القراءة. إن المدرسين الذين يتعاملون مع ذوي صعوبات ألتعلّم يجب أن يكونوا على دراية وفهم كبيرين في كيفية تطوير واكتساب مهارات القراءة العفوية، كما يجب تدريبهم بطريقة صحيحة ومتكاملة على طرق التقييم والتعرف على الأطفال المحتمل أن يصادفوا صعوبات في القراءة في السنوات الأولى من دراستهم.
بحسب البروفيسور إبراهيم على الطفل الذي يواجه مشاكل دراسيّة أن يخضع لفحص صعوبات ألتعلّم في الصف الثاني الابتدائي وذلك أذا ما استمر وجود مشاكل لديه، وأذا ما توفرت هناك مؤشرات نمائيّة مثل مشاكل في النطق والتأخر اللغوي (أي التأخر في الكلام)، ضعف التركيز أو صعوبات بصريه حركيه في استخدام اليدين وأداء مهارات مثل: التمزيق، والقص، ومسك القلم، والتلوين، والرسم. أن محاولة تشخيص صعوبات ألتعلّم في الصف الأول الابتدائي قد يشوبها شيء من عدم الدقة لان بعض الطلاب يكون تأخرهم الدراسي مؤقت نتيجة صعوبة تأقلمهم مع المناخ المدرسي، ثم ما يلبث أدائهم ان يتحسن بعدها، لذا يفضل تأخير هذا التشخيص للصف الثاني لإعطاء فرصة للمعلم وولى الأمر، وإدارة المدرسة للتحقق من أن التأخر الدراسي مستمر وثابت وليس عرضًا طارئاً.
الاختبارات التشخيصية وتأهيل أخصائيين
إن تقييم القدرات القرائية والكتابية بشكل عام يشمل اختبارات غير رسمية للقراءة إلى جانب اختبارات الفرز، والتصفية والتشخيص الفردي المعياري. فالتشخيص الفردي المعياري أكثر دقة لكشف أوجه القصور النوعية مثل أختبارات التمييز والإدراك السمعي، التمييز والإدراك البصري، الإدراك الكلي للأشكال والتجميع البصري لأجزاء الكلمة (الحروف والمقاطع)، والتعرف على الكلمات ومعدل طلاقة ودقة القراءة والفهم وغيرها.
بالنسبه للغّه العربيّه بالذات، ان موضوع تشخيص ومعالجة الطلاب الذين يعانون من صعوبات ألتعلّم كان وما زال يشغل المسؤولين عن التعليم في وزارة التربية وعاملي التربية في الميدان. فإن جهاز التعليم العربي كان وما زال يفتقر ليس فقط لمجموعة إختبارات تشخيص مقننّة بل أيضا لأخصائيين في مجال تشخيص ومعالجة صعوبات ألتعلّم. فلذا، الاهتمام بإنشاء مراكز تشخيصية وعلاجية متخصصة وتأهيل معلمين من ذوي الاختصاص والخبرة في هذا المجال هو حاجة تربوية من الدرجة ألاولى لمساعدة الطلاب ذوي العسر ألتعلّمي على التوافق في المدرسة والأسرة والمجتمع. فبحسب أقوال البروفيسور إبراهيم، إنشاء البرنامج الجامعي للقب الثاني في العسر ألتعلّمي مع إختصاص في اللغة العربية في جامعة حيفا كان هدفه ألاول والاخير تأهيل أخصائيين في تشخيص وعلاج العسر ألتعلّمي بحالاته المختلفة مع التخصص العيني للعمل مع طلاب ذوي عسر تعلّمي. في اطار هذا البرنامج وبدعم من مركز أدموند ي. سفرا لبحوث الدماغ في العسر ألتعلّمي تم تجنيد مجموعة من أفضل الباحثين والمدرسين مثل البروفيسور أسيد خطيب والمختص في بحوث الدماغ، القراءة والعسر التعليمي، الدكتور هيثم طة، الدكتورة ياسمين عواد، الدكتورة بهاء مخول والدكتورة حنان أسعد، هنادي أبو أحمد وغيرهم. ان برنامج التأهيل هذا والذي يمتد لخمسة فصول أكاديمية، يعتبر الرائد في مجال الاختصاص العلاجي في العسر ألتعلّمي بالبلاد. ان جزء أساسي من برنامج التعليم في هذا المسار يسلط الضوء على التخصص بصورة معمقة في دراسة آليات التشخيص وأسس القياس النفسي والتربوي ومعالجة عسر ألتعلّم. كما ويبذل مركز أدموند ي. سفرا جهوداً بالغة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي حيث يهتم بتبادل المعلومات – المبنية على أسس علمية – مع جهات مختلفة لتحقيق أهدافه في مجال زيادة الوعي، وإعداد المتخصصين، وتبادل الخبرات حول أفضل الطرق لتشخيص، ولتعليم ولعلاج ذوي صعوبات ألتعلّم، بحسب أقوال البروفيسور أبراهيم.