تكريم ذكرى الروائي السوداني الرائع ، الطيب صالح ، في برلين

تاريخ النشر: 22/04/12 | 14:50

شيءٌ مفرحٌ ، جديرٌ بالاحترام والتقدير ولافت للانتباه ، بالمفهوم الإيجابي ، أنَّ السفارة السودانية في برلين قامت ، بالتنسيق والتعاون المُثمر مع الجالية السودانية في ألمانيا ، خاصة في برلين بإحياء حفلٍ مهيبٍ لتكريم أحد أكبر رموز السودان الأدبية ورموز الرواية العربية عامة ، طيب الذكر الطيِّب صالح ، الذي يُرى فيه وبحق أحد أعمدة الرواية العربية الأساسيين وأحد رموز الثقافة والأداب الإنسانية .

وكم أنا مدين بالشكر للكاتبين السودانيين الصديقين :

د. حامد فضل الله القاص والطبيب المقيم في برلين ود. أمير ناصر ، الشاعر والقاص المقيم في برلين أيضا ، اللذين زوداني بالكتاب الجميل الذي صدر في هذه الذكرى وشمل كلمات كتاب سودانيين وعرب آخرين وألمان ساركوا في أمسية التكريم .

أذكر جيِّداً أنَّ الطيب صالح ( الروائي والقاص ) والفيتوري ( الشاعر ) أثرا فيَّ كثيرا منذ مرحلة الشباب وباتا من أهم ما في مخزوني الثقافي – الأدبي . عرفتُهما ، أول مرة ، في السبعينات من القرن الماضي .

والحقيقة أن رواية ” موسم الهجرة إلى الشمال ” أشغلت عقلي كثيرا وأشغلتني فكرة ومأساة إنسان الجنوب الباحث إضطراراً ، أحيانا كثيرة ، عن فرص هجرة من عالمه ، وطنه ومجتمعاته ، أملا في توفير ظروف عيش أخرى له تحت سماءاتٍ مغايرة لتلك التي عرفها من قبل . وقد انعكست هذه الفكرة – المأساة – في عملٍ لي ، شبه روائي ، كتبته لاحقا واسمه ” أنا وعبد الله ” .

حقيقةً ، أرى في الهجرة في كل الإتجاهات والأزمان ، حقاً طبيعياً كحق الطيور المهاجرة ونوعا من التواصل والتعارف الإنساني الذي هو من أهم شروط تقدم مجتمعاتنا الإنسانية ، التقدم الجماعي .

لكن أكثر ما يؤلمني هو أنَّ السنوات الخمسمائة الأخيرة ، التي تعرف بسنوات التنوير ، خاصة في أوروبا ، شهدت إلى جانب النهضة الفكرية والحضارية في تلك البلدان ، شهدت كذلك استعباد ، استعمار شعوب جنوب قارتنا ، التي كانت معروفة آنذاك ، وشهدت حروب إبادة وتصفيات واستباحات حياة وحقوق وكرامات الإنسان الجنوبي وهذا كله أوجد مناخا محزنا لا إنسانيا ، مناخ تفوق موهوم وإذلالٍ قسري ، انعكس بتجليات سلوكية مختلفة تمليها عُقدٌ نفسية مأساوية ومُشَوِّهة ، تظهر كُلَّما وقع لقاء بين أبناء العالمين ، عالم الشمال وعالم الجنوب . وهو ما نجده واضحا ومكثفا في رواية ، ” موسم الهجرة إلى الشمال “، وأكثر ما يوجع هو هذا الجشع المادي والاستهلاكي الذي يميِّز مجتمعات محددة ، الشرائح المتنفذة فيها خاصة ، وما يترتب عنه من طمع وجوع وعنف . فهذا الجشع المادي وما يترتب عنه من آثار نفسية وسلوكية هو ما يشوه هذا التواصل الذي أحلم فيه كآخرين في بلدانٍ مختلفة من عالمنا اليوم .

حين أتذكر مسار حياة الروائي الرائع ، الطيب صالح ، وأعماله الأدبية ، أزداد قناعة أنه كان من القلائل القليلين الذين حاولوا تطوير لغة تواصل حقيقي بين ثقافات مختلفة البيئة ، العقلية والموروث . وحرص ، عمدا وعن غير عمدٍ أحيانا ، في إظهار الوجه الحقيقي الغني لموروث الثقافة السودانية . فكاتب رائع وواضح الرسالة الأدبية كالطيب هو وليد هذا الموروث الثقافي . وعمل في الوقت ذاته على إنجاز تلاقح ثقافي بين هذا الموروث وبين ثقافات أخرى عايشها أو عرف كيف يطَّلع على مخزونها . وعليه أتفق مع الإخوة الذين رأوا فيه أحد قليلين شكَّلوا في حياتهم وعملهم ، خاصة الكتابي ، بناة جسرٍ حقيقي للتواصل الإنساني بين الغرب والشرق ، أي بين الشمال والجنوب ، الغرب والشرق وكلِّ ناحية وناحية من عالمنا الواسع .

وما أحوجنا في هذه الأوقات الحرجة والصعبة للتواصل الإنساني المثمر والنافع ، ما أحوجنا إلى قامات أدبية وإنسانية تشكل أعمدة حقيقية للأدب ، نفخر بها ونسعى للتعلم منها وتكون أصلب جسور لذاك التواصل ، كقامة الطيب صالح . وما أحوجنا كذلك إلى حراك ثقافي لتكريم تلك القامات كالحراك الذي كان في برلين وتقديم أبحاث ودراسات ، تتناول أعمال تلك القامات ، التي يجمل بنا أن نتعلم من عطائها الأدبي ونعمل على صيانة ذكراها دائما .

تعليق واحد

  1. مقالة هادفة تطرقت لقضيّة هامّة وهي: التلاقح الثقافيّ واللقاء بين بين الحضارات.
    المؤسف عدم وجود الندّيّة والتساوي في التعامل؛ فبينما نجد عندنا كمّا هائلا من الأعمال الأدبيّة التي تطرقت للموضوع (مثل:قنديل أم هاشم ليحيى حقّي، وأعمال لسهيل إدريس ولتوفيق الحكيم وآخرين…)، لا نجد ما يوازي ذلك في الأدب الغربيّ!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة