رَجُل من قَشّ

تاريخ النشر: 16/08/14 | 13:40

في قريتنا كَرْمٌ فسيح ، يملكه ” سحلول ” البخيل ..‏

حلَّ فصلُ الصيف، وأينعتْ عناقيدُ العنب ..‏

فرحتِ العصافيرُ كثيراً، وطارتْ مسرعةً إلى الكرم ، وعندما صارتْ قربه…. قال عصفورٌ مُحذِّراً‏

– ها هوذا رجلٌ يقفُ وسطَ الكرم!‏

قال آخر :‏

– في يده بندقية!‏

قال ثالث :‏

– يجب ُ ألاّ نعرّضَ أنفسنا للخطر ..‏

خافتِ العصافيرُ، وولَّتْ هاربةً..‏

في اليوم الثاني ..‏

استفاقتِ العصافيرُ باكراً، وهرعَتْ إلى الكرم،‏

آملةً أنْ تصله، قبلَ الرجل المخيف ..‏

وهناك.. فوجئَتْ برؤيةِ الرجلِ واقفاً، لم يبارحْ مكانه!‏

رمقَتْ بندقيته خائفةً وانصرفتْ حزينةً ..غابَتْ أيّاماً.. ملَّتِ الصبرَ والانتظار، ازداد شوقها إلى الكرم، قصدَتهُ من جديد..‏

وكم كانتْ دهشتها عظيمةً ، وحينما شاهدَتِ الرجلَ منتصباً، في مكانه نفسِهْ، كأنَّهُ تمثال!‏

لم تجرؤ العصافيرُ على دخولِ الكرمِ..‏

لبثتْ ترقبُ الرجلَ عن بُعد..‏

مرَّ وقتٌ طويل..‏

لم ينتقل الرجلُ من مكانه ..‏

قال عصفورٌ ذكيّ :‏

– هذا ليس رجلاً !‏

قال آخر :‏

– أجل … إنَّهُ لا يتحرَّك!‏

قالتْ عصفورة:‏

– عدَّةُ أيامْ مضتْ، وهو جامدٌ مكانه !‏

قال عصفورٌ جريء:‏

– سأمضي نحوه ،لاكشفَ أمره‏

وقالتْ له أمُّهُ :‏

– أتُلقي بنفسك إلى التهلكة ؟!‏

قال العصفور الجريء:‏

– في سبيل قومي العصافير، تهونُ كلُّ تضحية …‏

ثم اندفعَ بشجاعةٍ تجاه الرجل ..‏

نزلَ قريباً منه ..تقدَّم نحوه حذِراً.. لم يتحرَّكِ‏

الرجل … تفرَّسَ في بندقيته.. ضحكَ من أعماقه ..‏

إنَّها عودٌ يابس!‏

حدَّقَ إلى وجههِ، لم يرَ له عينين … اطمأنَّ قلبه ..‏

خاطبه ساخراً :‏

– مرحباً يا صاحب البندقية!‏

لم يردَّ الرجل..‏

كلَّمهُ ثانيةً ..‏

لم يردَّ أيضاً ..‏

قال العصفورُ هازئاً :‏

– الرجلُ الحقيقيّ، له فمٌ يُفتّحُ، وصوتٌ يُسمع!‏

طارَ العصفور.. حطَّ على قبعةِ الرجلِ.. لم يتحرَّك.. نقرَهُ بقوّةٍ … لم يتحرَّك.. شدَّ قبعته، فارتمت أرضاً …‏

شاهدتْ ذلك العصافيرُ، فضحكتْ مسرورةً، وطارتْ صَوْبَ رفيقها، ثم هبطتْ جميعها فوق الرجل …‏

شرعتْ تتجاذبه بالمخالبِ والمناقير.. انطرحَ أرضاً.. اعتلَتً صدره، تنقره وتهبشه …‏

انحسرَ رداؤهُ ,… تكشَّفَ عن قشِّ يابس !!‏

قالت العصافيرُ ساخرة :‏

– إنَّهُ محشوُّ بالقَشّ …‏

قالتْ عصفورة :‏

– كم خفنا من شاخصٍ لا يُخيف!‏

قال آخر :‏

– لولا إقدامُ رفيقنا، لظللنا نعيشُ في خوف .‏

قال عصفورٌ صغير :‏

– ياللعجب.. كان مظهره يدلُّ على أنَّهُ رجل!‏

قال له أبوه :‏

– لن تخدعنا بعدَ اليومِ المظاهر ..‏

غرَّدت العصافيرُ، مبتهجةً بهذا الانتصار، ثم دخلَتْ بينَ الدوالي ، فاحتضنتها الأغصان بحبٍّ وحنان ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة