العصـــفور الصغيـــر
تاريخ النشر: 06/08/14 | 8:28فرحتِ العصفورة حينما خرج ابنها الصغير إلى الحياة بعد طول انتظار، قررت في نفسها أن تحوطه برعايتها إلى أن تراه عصفورا كبيرا؛ تسرُّ رؤيته العين ويُسْعِدُ قربه القلب.
بدأتْ توفّر له كل ما يحتاج إليه من طعام وشراب: الحَبُّ بمختلف أنواعه تأتي به إليه، الماء تحمله بمنقارها و تصبه في منقاره.. بالليل تحوطه بريشها وتغني له بصوتها أعذب الألحان، تحكي له عما كان، وما تريد له أن يكون.
يوما بعد يوم.. والعصفور الصغير يكبر وينمو، ويتحول زغبه القصير إلى ريش كبير طويل.
قالت له أمه في يوم:- أنت كبرت الآن بما فيه الكفاية، فعليك أن تتعلم الطيران.. لكي تصبح عصفورا كبيرا قويا.. تسعى على رزقك وتحمي نفسك.
لم يُعجِب العصفور ما قالته أمه!
فكر قليلا وقال في نفسه:- صو صو صو… لماذا أتعب نفسي في البحث عن الطعام والشراب طالما أنهما يأتيان إلي بسهولة؟…. صو صو صو…. لا أريد أن أتعب نفسي… صو صو صو… لن أتعلم الطيران!
فردت الأم جناحيها ورفرفت بهما في الهواء، طالبة منه أن يقلدها لكنه ظل ساكنا، مدعيا أنه لا يستطيع أن يفعل ما فعلت.
غضبت الأم وصاحت فيه إن عليه أن يحاول، فتظاهر بالبكاء وغمغم: أنه لا ذنب له في ذلك، فهو قد خلق – على ما يبدو – لا يستطيع الطيران!!
ازداد غضب الأم. حملته بمنقارها وطارت به عاليا ثم تركته يسقط وطلبت منه أن يفرد جناحيه ويضرب بهما الهواء مرة أو مرتين.
لكن العصفور لم يفعل، بل ترك نفسه يسقط ويسقط حتى ارتطم بالأرض.
كررت الأم محاولتها معه: أخذت تحمله وتطير به عاليا ثم تتركه في الهواء، فلا يفعل شيئا إلى أن يقع على الأرض!
يئست الأم منه وتركته وهي تبكي قائلة في نفسها:- صو صو صو… عصفوري لا يطير… أنا حزينة…. أنا حزينة.
ظلت الأم أياما طويلة تبكي والعصفور سعيد في نفسه، يقول:- ستكفُّ عن البكاء قريبا، وأظل أنا متمتعا بالراحة والنعيم.
رأى يوما أبو قردان الأم وهي تبكي، وحينما عرف السبب تكلم مع العصفور وحاول أن يقنعه بضرورة أن يتعلم الطيران، لكنّ العصفور لم يستمع إليه ووضع رجلا فوق رجل وهو يقول: ما ذنبي أنا إذا كنت قد خلقت عاجزا عن الطيران!!
اقترح أبو قردان على الأم أن تتركه بلا طعام ولا شراب حتى يدفعه الجوع والعطش إلى الخروج من العش والطيران بحثا عنهما، ففعلت العصفورة، لكن ذلك لم ينجح أيضا؛ إذ فضل العصفور الآم الجوع والعطش على أن يتعب نفسه، وأصيب بالضعف والهزال، فلم تستطع العصفورة أن تراه على هذه الحال، وعادت تحمل إليه الطعام والشراب، وعادت الحال إلى ما كانت عليه!
وحاول الغراب والببغاء والهدهد وأبو فصادة أن يثنوه عما يفعل- كما حاول أبو قردان- لكنهم فشلوا جميعا، ويئسوا منه وتركوه وهم يتعجبون منه ويأسفون له.
وظلت العصفورة تحمل إليه الطعام والشراب وهو سعيد بذلك مرتاح أشد الراحة.
ولكن ذات يوم، بينما كانت العصفورة في الخارج تبحث عن الطعام، والعصفور في العش وحيدا، إذا بثعبان كبير يتسلق الشجرة مقتربا من العش.. ما إن رآه العصفور حتى انتفض في مكانه مرتاعا، وأراد أن يهرب، ولكن إلى أين وكيف وهو لا يستطيع الطيران؟ إضافة إلى أن قدميه ضعيفتان- فهو لم يستخدمهما من قبل؟.
ازداد اقتراب الثعبان منه، ومد رأسه في العش يريد أن يلتقمه، لكنّ العصفور ألقى بنفسه من فوق الشجرة، ووقع على الأرض وراح يتألم للحظات من وقوعه من ذلك العلوِّ، ثم تحامل على نفسه وأراد يسرع بالابتعاد، لكن الثعبان هبط خلفه ومضى نحوه وهو يصدر فحيحا مخيفا، فأيقن العصفور بقرب النهاية، وقال في نفسه في مزيج من الحسرة والألم: لو كنت قد تعلمت الطيران لاستطعت الآن أن أهرب وأنجو بنفسي!
وحاول أن يتذكر ما كانت تقوله أمه وهي تعلمه: ( ليس عليك سوى أن تفرد جناحيك وتضرب بهما الهواء مرة أو مرتين ).
وفرد جناحيه بالفعل ورفرف بهما بقوة لكنه لم يرتفع عن الأرض ولو قليلا، فكرر المحاولة مرة أخرى، لكنه لم ينجح أيضا.
واقترب الثعبان منه بشدة، وفتح فمه على اتساعه فبانت أنيابه المرعبة، وأغمض العصفور عينيه مسلما بالنهاية.. ولكن في تلك اللحظة، عادت العصفورة ورأت من بعيد ما يتهدد صغيرها، فأسرعت واتجهت نحوه كالطلقة وجذبته من أمام الثعبان وحملته طائرة به.
وهناك فوق شجرة عالية، حطّتْ به، وأخذت تراقب الثعبان الذي أعماه الغضب لإفلات الفريسة من بين يديه، فراح يتلوى بعصبية نافثا غضبه مع زفرات فحيحه المخيف.
ظلت العصفورة في مكانها حتى هدأ الثعبان، ووجد أنه لا فائدة من وقوفه على ذلك النحو فانصرف لكي يبحث عن فريسة أخرى
وحينئذ، نظرت إلى العصفور الذي كان مطرقا برأسه إلى الأرض شاعرا بخجل شديد.
رفعت رأسه بجناحيها وضمته إليها في حنو وعطف، سائلة إياه:
– ألا تريد أن تقول شيئا يا صغيري؟!
فغمغم العصفور: صو.. صو.. صو..
قالها في خفوت وضعف وخجل!