العصفور والطائرة‏

تاريخ النشر: 04/08/14 | 14:39

طلع الصباح.. اهتزت أوراق الشجرة وأفاق العصفور. فتح عينيه وصفق بجناحيه وطار. كان نشيطاً تغمره البهجة.. حط على الأرض وتمرغ بالعشب الأخضر، ابتل ريشه بالندى فنفضه وطار. استمع إلى زقزقات العصافير البعيدة، كان يفهم ما تقول. أجابها بزقزقة ممطوطة، واستنشق هواء الصباح بعمق.. كان الصباح جميلاً والعصفور مسروراً.‏

فجأة سمع صوتاً غريباً.. كان صوتاً قوياً مزمجراً لم يسبق له أن سمع مثله من قبل خفق قلبه. اهتزت الشجرة.. صمتت العصافير وتوقفت الصراصير عن الغناء، وركضت الحشرات تختبئ في شقوق الأرض.. صمت كل شيء. رفع العصفور رأسه نحو السماء.. كانت زرقاء صافية، وشاهد فيها طائراً كبيراً يمرق بسرعة من غير أن تخفق أجنحته.‏

كان يهدر بشدة. تعجب العصفور من أمر هذا الطائر وتساءل في سره: أي طائر غريب هو. قد يكون أكبر من شجرة التوت الكبيرة التي اعتاد أن يقف عليها في بيت صديقه غسان. ولكن لماذا يبدو غاضباً إلى هذا الحد؟ وكيف يستطيع أن يطير من غير أن يرف بأجنحته أو يحركها؟ ودفعه فضوله إلى أن يسأله عنه، فطار مسرعاً إلى بيت صديقه غسان.‏

كانت الجدة في الحديقة تنزع بعض الأعشاب اليابسة. زقزق العصفور قائلاً:‏

-صباح الخير أيتها الجدة.‏

-صباح الخير أيها الجميل.‏

-هل رأيت يا جدتي ذاك الطائر الكبير المزمجر؟ إنه يلتمع تحت أشعة الشمس، ويطير ثابتاً وكأنه لا يخشى السقوط.‏

-إنه ليس بطائر أيها العصفور.. إنه طائرة.. ألم تر أو تسمع بالطائرة؟‏

-لا. وما هي الطائرة؟‏

-هي حوت ضخم من الحديد.. جوفه كبير.. يبتلع الناس وأمتهم ويطير بهم ويأخذهم إلى أماكن بعيدة حيث يخرجهم ثانية من جوفه.‏

فكر العصفور في نفسه: لا شك أن الطائرة أفضل مني فأنا لا أستطيع أن أحمل سوى القش بمنقاري.‏

ثم سأل الجدة:‏

-وهل تطير مسرعة.. أسرع مما أطير؟‏

ضحكت الجدة وقالت:‏

-أسرع بكثير.‏

-وماذا تحمل في جوفها أيضاً؟‏

-تحمل أشياء تشبه الكرات. هل تعرف الكرات؟. إنها تلك الأجسام المستديرة الملونة التي يلعب الصغار بها، وحين ترمي تلك الأشياء تزرع الموت والدمار.‏

خاف العصفور وارتعش. سأل الجدة:‏

-وهل يحب الأطفال الطائرة يا جدتي؟‏

-إنهم يخرجون حين يسمعون صوتها، يرفعون رؤوسهم نحو السماء، ويصفقون لها بأيديهم وتعلوا ضحكاتهم وهي تمرق بسرعة فوق رؤوسهم.‏

حزن العصفور وقال في نفسه: لا شك سيأتي يوم ينصرف فيه الأطفال عن الطيور ويتعلقون بالطائرات.‏

ترك العصفور الجدة واقترب من النافذة. كان غسان الصغير يحبو وهو يضرب بيديه لعبة صغيرة.‏

عادت الطائرة يسبقها صوتها المزمجر.. اهتزت جدران المنزل.. صرخ غسان.. بدأ يبكي بشدة، كان الرعب يهز جسمه الصغير.‏

نقر العصفور زجاج النافذة.. نظر إليه الطفل سكت ثم ضحك وبانت أسنانه الصغيرة. صفق العصفور بجناحيه منتصراً. قال في نفسه: لن تكون الطائرة أفضل طالما هي تبكي الأطفال وأنا أجعلهم يضحكون.

12

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة