الفراخ الثلاثة

تاريخ النشر: 04/08/14 | 13:03

تنفَّسَ الصباح، يرشُّ الندى، ويرسلُ الضياء.‏

وداعبَتْ أناملُ النسيم، أغصانَ الشجرةِ الفارعة، فتمايلَتْ ناعمةُ ناضرة ..‏

وفتحتِ العصفورة عينيها، فبادرَتْها الشجرةُ قائلةً:‏
– صباح الخير يا صديقتي العصفورة!‏

– صباح الخير يا صديقتي الشجرة.!‏

– هل استيقظَ صغارك؟‏

– لم يستيقظوا بعد‏

– هذا دأبهم كلَّ يوم.. يتأخّرون في النوم‏

– سأتركهم قليلاً، لأجلبَ لهم طعام الفطور‏

– إذهبي ولا تقلقي، إنَّهم في أحضاني.‏

ألقتِ العصفورةُ على فراخها، نظرةَ حبٍّ وحنان، ثم رفرفتْ بجناحيها، وطارتْ في الفضاء..‏

ظلَّ الفراخُ الثلاثةُ، في عشِّهم الدافئ، وعندماارتفعتِ الشمسُ، فركوا عيونهم، وأفاقوا من نومهم، فلم يجدوا أمَّهم ..‏

انتظروها طويلاً، ولكنَّها لم ترجعْ!‏

آلمهم الجوع، وأصابهم الجزع ..‏

قال أحدهم خائفاً:‏
– أرجوا أنْ تسلمَ أمُّنا من الصيادين‏

واضافَ آخر:‏
– ومن الطيور الجارحة ..‏

وقال الثالث:‏
– احفظها لنا يارب !‏

سمعتِ الشجرةُ حديثَ الفراخ، فأوجستْ منه خيفةً، غير أنَّها كتمَتْ مشاعرَها، وقالتْ مُواسيةً:‏
– لا تجزعوا ياصغاري، ستعودُ أُمّكم قريباً‏

– لقد تأخّرَتْ كثيراً!‏

– كَسْبُ الرزقِ ليس سهلاً …. غداً تكبرون وتعرفون‏

صمتَ الفراخُ الثلاثة، ونهضَ الفرخُ الأكبرُ، إلى حافَّةَ العشّ، ليرقبَ رجوعَ أُمَّهِ..‏

تدحرجَتْ حبّةُ قمحٍ كانت تحته ..‏

رآها أخوهُ الأصغر، فصاح مسروراً:‏
– هذه حبةُ قمح !‏

التفتَ الفرخُ الأكبرُ، وقال:‏
– إنَّها لي‏

– ليستْ لك‏

– لقد كانت تحتي‏

– أنا رأيتها قبلك‏

لن تأخذَها أبداً ..‏

اختلف الأخوانِ، وأخذا يتعاركان ..‏

ومكثَ أخوهما الأوسط، ينظرُ إليهما ويتفرَّج..‏

حاولت الشجرةُ إنهاءَ النزاع، فلم يستجبْ لها أحد.‏

قالتْ للفرخ الأوسط:‏
– لمَ لا تصلحُ بينَ أخويك؟‏

– لا أتدخَّلُ فيما لا يعنيني ..‏

– بل يعنيك !‏

– كيف؟‏

– أنتم إخوةٌ تعيشون في عشٍّ واحد..‏

-سأبقى بعيداً عن المتاعب‏

– لن ترتاحَ في عشٍّ يسودُهُ النِّزاع.‏

– لا أتدخّلُ فيما لايعنيني‏

– أوقفتِ الشجرةُ الحوار ، فالفرخُ عنيد، والكلامُ معه لا يفيد..‏

لم ينتهِ النزاعُ بينَ الفرخين ..‏

هذا ينقرُ بمنقاره، وذاك يخمشُ بأظافره..‏

تعبَ الفرخُ الأصغر.. رفع قشَّةً صلبةً، وضربَ أخاه الأكبر.. انتحى هذا جانباً.. أصابت القشةُ عين الفرخِ الأوسطِ، فبدأ يصرخُ متألّماً ..‏

جاءَهُ أخوه الأصغر، وأخذَ يعتذرُ إليه‏

وجاءَهُ أخوه الأكبر، وشرع يمسحُ له عينيه ..‏

وعندما سكنَ ألمهُ، تذكَّرَ قولَ الشجرة ” لن ترتاحَ في عشٍّ يسودهُ النزاع “، فأصلح بين أخويه، واعتذرَ الصغيرُ لأخيه الكبير ،وقبَّلَ الكبير أخاه الصغير، وزالَ الخلافُ بينهم ،وعادَ الحبُّ إلى عشّهم ..‏

قال الفرخ الأوسط:‏
– أين الحبَّة ؟‏

– لماذا ؟‏

– سأقسمها بينكما ..‏

بحثَ الفرخانِ عن الحبّةِ، فلم يجدا شيئاً!‏

قال الفرخ الكبير:‏
– لقد ضاعتْ بين القَشِّ..‏
وقال الفرخ الأصغر:‏

– ربما سقطتْ خارجَ العش ..‏

حزن الفراخُ الثلاثة، على الحبّةِ الضائعة ..‏

قالتِ الشجرة:‏
– افرحوا ياأحبّائي، واتركوا الحزن.‏

– كيف نفرحُ وقد ضاعت الحبّة ؟!‏

– الحُبُّ الذي عادَ إليكم، أفضلُ من الحبّة بكثير‏

– صدقْتِ والله !‏

قالتِ الشجرة:‏
– عليكم أن تصلحوا العشَّ، قبلَ عودةِ أُمِّكم ..‏

نظر الفراخ إلى العش، فأدهشهم ما أصابه من تخريب!!‏

قالتِ الشجرة:‏
– لقد مات أبوكم دفاعاً عن هذا العش .‏

– وماالعملُ الآن ؟‏

– ابنوا بالحُبِّ، ماخربتم بالخلاف‏

– لن نختلفَ بعد اليوم‏

أسرعَ الفراخُ الثلاثة، يعملون متعاونين، فأصلحوا العشَّ، ورمَّموا جوانبه، وحينما فرغوا من عملهم، تأمَّلو العشَّ الجميل، وتبادلوا نظراتِ المودَةِ، فأشرقَتْ وجوههم سروراً.‏

وفجأة ..‏

صاحتِ الشجرة:‏
– لقد عادتْ أُمّكم … لقد عادتْ أُمّكم‏

هبَّ الفراخُ يزقزقون، ويرقصون، فتعالتْ فوق العشِّ، أغاني الحبِّ والفرح ..‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة