حكاية البنات الثلاث

تاريخ النشر: 04/08/14 | 5:25

تلك الليلة كانت عاصفة، والبنات الثلاث الصغيرات في أسرتهن. الهواء يصفر كعواء كلاب جائعة، وأغصان الشجر تصفق مهتاجة وكأنها تتقصف. لم يكن يشعرن بالبرد، فالغرفة دافئة والأغطية صوفية ناعمة.‏

الأم التي يحلو لها في مثل هذه الليلة أن تستعيد حكايات جدتها تقول:‏
ـ كان ياما كان… في قديم الزمان..‏

تقاطعها الكبرى:‏
ـ عرفنا الحكاية.. كان هناك ثلاث بنات يغزلن… حتى يأكلن.‏

ترد الأم وهي تتنهد:‏
ـ لا… لم تحزري.. ليست هذه هي الحكاية.‏

تنبر الوسطى:‏
ـ ثلاث بنات خياطات… يشتغلن في قصر السلطان… والصغيرة اسمها (حب الرمان)..‏

وهي التي أضاعت (الكشتبان).‏

تضحك الأم وتقول:‏
ـ بل الوسطى التي اسمها حب الرمان… وهي التي عن قصد وعمد رمت في الماء الكشتبان.‏

تكمل الصغرى:‏
ـ ذلك لأنها كسولة… وملولة. لاتحب الإبرة والخيطان… وتتلهى مع أولاد الجيران.‏

الكبرى تسأل:‏
ـ وما اسم البنت الأولى إذن؟‏

تقول الأم:‏
ـ قمر الزمان…‏

ـ والثالثة؟ /تسأل الصغرى/‏

تجيب الأم:‏
ـ اسمها نيسان.‏

وبينما الأم ترد الأغطية فوق البنات صرخن محتجات:‏

ـ نريد حلماً… لاحكاية. نريد حلماً.. حلم… حلم.‏

ـ حسناً../تقول الأم/ ـ أغلقن النوافذ.. وأطفئن النور ولتطلب كل واحدة منكن حلماً لها.. وسأضعه قبل أن أنصرف تحت مخدتها.‏

قالت الكبرى:‏
– أنت اعطينا ياأمي .. أنت اعطينا . دائماً أنت تعطيننا أكثر من أحلامنا‏

ـ أعطيك مهراً أشقر جميلاً… بل أبيض.. تكبرين ويكبر معك، وتصبحين فارسة.‏

همست الكبرى لأختيها:‏
ـ وكيف سأتصرف مع الحصان الصغير؟ كيف سأعتني به.. بطعامه وشرابه.. بنومه وصحوه..بلهوه وجريه؟ لا.. لا أريد.. لماذا لاتعطيني أمي سيارة بيضاء ونظيفة أدير محركها في لحظة فتحملني إلى حيث أشاء؟‏

قالت الأم للوسطى:‏
ـ وأنت أعطيك خمسة أرانب بيضاء جميلة… تلك التي في الحديقة. تلاعبينها كالقطط، وتتسلين بمنظرها… بتكاثرها وتوالدها.‏

همست الوسطى لأختيها:‏
ـ ولماذا لاتعطيني فراء هذه الأرانب؟ فأصنع منها قبعة وقفازات، وربما صنعت معطفاً.‏

قالت لها الكبرى وهي تضحك:‏
ـ والخياطات الثلاث سيساعدنك في ذلك.‏

أكملت الوسطى:‏
ـ بل هما اثنتان.. لأن الصغرى عاقبوها فطردوها من العمل.. وأنزلوها إلى المطبخ لتقشر الثوم والبصل.‏

وقبل أن تعطي الأم للصغرى أي شيء بادرتها هذه قائلة:‏
ـ أما أنا فأريد فراشة ملونة… أجنحتها زرقاء ووردية… لابل صفراء وبنفسجية.. تنتقل بين الزهور بلطف وحبور… تنشر الأحلام وتطويها. أليست أميرة الطبيعة في جبالها وبساتينها وبراريها؟‏

وقبل أن تتم كلامها كانت قد استغرقت في النوم.‏

عند الفجر اشتدت العاصفة أكثر وأكثر.. حطمت النوافذ والأبواب.. اقتلعت الخزانات.. كسرت المرايا… بعثرت الثياب.. وأطارت كل شيء. وأفاق الجميع خائفين مذعورين.‏

وقفت الأم مع بناتها الثلاث.. حائرات واجمات.. فلا بيت يأوين إليه.. ولاسيارة يركبنها.. وهن يرتجفن من البرد.‏

صهل حصان صغير عن بعد كأنما هو يعلن عن نفسه.‏

قالت الكبرى:‏
ـ هذا حصاني.. ماكان أغباني ظننت أن الحلم لن يتحقق.‏

وقالت الوسطى وهي تمد يديها الباردتين إلى قفص الأرانب:‏
ـ ما أجملها.. ما أدفأها.. ماأنعمها… عددها أكثر من خمسة… سبعة… عشرة، لاأدري ، كنت أحبها ولاأدري. تحتاج صغارها من يرعاها… وأنا سأرعاها.‏

أما الصغرى فقد نظرت حولها ولم تكن هناك فراشة واحدة بعد العاصفة فقد جرفتها كلها، قالت:‏

ـ لكنني أنا دوماً معي حلمي… فراشتي هنا في قلبي.. لا هنا في رأسي… لا هنا في عيني…‏

ودمعت عيناها وهي ترى أجنحة الفراش تتطاير في الهواء، وظلت تردد:‏

ـ آه… ما أجملها فراشة… فراشتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة