رمضان: العذر والأجر

تاريخ النشر: 16/07/14 | 9:54

أولا: كانت الأمة تترقب هلال رمضان بعلمائها وقضاتها وهيئاتها الشرعية حتى تعلن عن دخول الشهر وإثبات الأول من رمضان، وهذه الرؤية عن طريقة المشاهدة والبصر (خلاف الفلكيين) وبحضور شاهد أو أكثر حيث يقسم اليمين على رؤية الهلال…. وإذا صح هذا يعلن مباشرة عن صحة الرؤية وإثباتها وإن غدا هو الاول من رمضان، وهنا نتساءل ألم يأن الأوان للأمة وحكامها وقادتها أن ترى العدوان على غزة، والقتل والهدم والتشريد بالرؤية البصرية والمرئية والبث المباشر؟ قد تخدعهم العين، إذا كان بها عمش أو غبش أو ضعف فترى الحال غير الحال، ويوصف لهاالمشهد غير الواقع، حينها يلزم إحضار شهود عدول يقسمون الأيمان المغلظّة أن بيت عائلة البطش هدم عليها، وبيت عائلة الكوارع في خان يونس، وبيت عائلة الحاج، وبيت عائلة أبو كويك، وبيت عائلة النواصرة، وعشرات البيوت قصفت على أهلها، فإن كانت رؤية هلال رمضان أثبتت فرض الصوم… فهل رؤية معاناة غزة وشهداء غزة ودماء الأطفال، وصرخات وصيحات النساء أيضا أثبتت الصوم عن النصرة والوقفة والدعم والدعاء والتحرك، رأينا كل ذلك وصمنا عن الدعم، وشاهدنا النكبة وصمنا عن الدفاع، وسمعنا الاستغاثات وصمنا عن الرد، نقول لكم: أفطروا على القرار الجريء، أفطروا على الشجاعة السياسية، أفطروا على نصرة أهل غزة بالعون والتضامن، أفطروا على كل ذلك قبل أن يؤذن آذان الفتح والنصر فيفوتكم المشاركة في صناعة الحدث.

ثانيا: لا يصح الصوم إلا بنية، ولا بد من جمع الصيام مع النية قبل الفجر، والمعني تبييت النية حتى يحصل الصوم الشرعي الصحيح يقينا دون شك، وتحصيل الأجر وبهذا أفتى الفقهاء والعلماء، وقد سمعت الأمة الفتوى وصامت مع النية بياتا وسحورا… فهل تبيّت الأمة نيتها لنصرة القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى المبارك والقدس الشريف؟ فهل تبيّت الأمة نيتها لإحقاق الحق الفلسطيني وإزهاق الباطل الأسود وقد أشار الحديث (لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ. وَإِذَا اُسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا ) وإذا ضعفت عزائمكم، وخوت قواكم، وتعطلت مشاعركم، فلا تعب ولا نصب من أن تقوموا بعمل سهل هين لين (تبييت النية) ربما يأتي يوم تقوم فينا نخوة، وتوقظ فينا همّة، وتتحرك فينا شهامة قبل بزوغ الفجر لتصح منا نية (لأن الفرض إذا لزم بيقين لم يخرج منه إلا بيقين ) والفرض الواجب علينا النفرة من الكراسي والعروش والبيوت والحارات لنصرة المستضعفين والمرابطين على سواحل الشام لنؤذن سويا آذان الفجر الصادق.

ثالثا: بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أجر سنّة تفطير الصائمين في حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله: ( مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ) لذا نرى موائد الرحمن لإفطار الصائمين تمتد بطولها وعرضها في المسجد الحرام والمسجد النبوي ومساجد أخرى تسعى لإحياء السنّة النبوية، وهذا من مشاهد وحدة المسلمين الاجتماعية ( أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) وفي شرح لطيف في عارضة الأحوذي:”إن الله بفضله على الخلق أجرهم على ما ابتلاهم به من الأمر والنهي، لا باستحقاق وجب لهم، ثم زادهم من فضله المضاعفة فيه، ثم زادهم من فضله، أن جعل للمعين عليه لغيره مثل أجره، لا ينقص ذلك من أجره شيئا) هنا تظهر الإشارة لمضاعفة العمل والأجر فتفطير الصائم له مثل أجره، وتجهيز الغازي له مثل أجره (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا أو جَهَّزَ غَازِيًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ ) فهل يشمر أصحاب الموائد وإحياء السنن عن ساعدهم لتجهيز المضطر بالغذاء والدواء والدعاء وبالموقف السياسي وبالقرارات العملية المؤثرة طمعا في الأجر والثواب لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا)، فتقدم في السباق، واعلنها مدوية بكل فخر واعتزاز وقل: انا مع شعبي واهلي واخواني، لهم مالي ووقتي، اجهز المرابط، واطعم الجائع، واعالج المريض، واذبّ عنهم قول المرجفين والمنافقين والخائنين، واخرج سهام جعبتي لأنال بصمة تحرير وموطن شرف في المرحلة الحرجة…. واخشى من وسوسة شيطان وزينة دنيا واتباع هوى وشح نفس فتجتمع علي فأردد مع القاعدين والمثبطين الاعذار والحجج (حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ) وهم قد القوا معاذيرهم عند تجهيز لاعب كرة قدم، وتجهيز مغنى مسطول، وتجهيز فكر مشوه، وتجهيز سباق غافل، وتجهيز حفلة سوداء، وتجهيز نشاطات تعود على الامة بالخبال والبوار والخور، فلا عذر لهم، ولا مانع عندهم، فقد فاتهم دعاء الصالحين والمرابطين في الدنيا، وصحبة الانبياء والشهداء والصديقين في الاخرة، رغم كل ذلك ما زلنا نطمع ان تصلي الأمة صلاة جماعة خلف المرابطين والأحرار ليعلو صوت الحق في العالمين.

رابعا: كتب ابن المبارك رسالة الى صديقه العابد الفضيل ابن عياض يرغبه في اللحاق به في الرباط وترك الاقامة في الحرمين، وقد ذكر الذهبي وابن كثير وابن عساكر هذه الرسالة ومنها:
يا عابدَ الحرمين لو أبصرتَنا… لعلمتَ أنَّكَ في العبادةِ تلعبُ
مَنْ كانَ يخضبُ خدَّه بدموعِه… فنحورنُـا بدمـائِنا تَتَخْضَبُ
أو كان يتعبُ خيله في بـاطل… فخيـولنا يوم الصبيحة تتعبُ
ريحُ العبيرٍ لكم ونحنُ عبـيرُنا… رَهَجُ السنابكِ والغبارُ الأطيبُ
ولقد أتـانا مـن مقالِ نبيِنا… قولٌ صحيحٌ صادقٌ لا يَكذبُ
لا يستوي غبـارُ أهلِ الله في… أنفِ أمرئٍ ودخانُ نارٍ تَلهبُ
هذا كتابُ الله ينـطقُ بيننا… ليسَ الشهيدُ بميـتٍ لا يكذبُ

هي رسالة واضحة وبيان هام يتحدث فيه ابن المبارك عن واجب الوقت في زمانه وفترته، لا وقت اعتكاف وعبادة، ولا عمرة وحج، بل الدور المطلوب والواجب المنوط هو الرباط في ثغور المسلمين لدفع الباطل…. وكم هي رسائل ابن المبارك الشبيهة التي انطلقت من افواه المرابطين تنادي احرار العالم واهل الحل والربط الذين يلعبون بمستقبل الأمة والقضية والمسجد الأقصى؟!!! كم من ابن المبارك نادى القوم اللاهين العابثين الغافلين عن واجب الوقت بأمور ثانوية قد تنتهي في مهدها ولا تساهم في صناعة وبناء جيل الخيرية القادم.
فهل يحيا في الأمة رجال بدر كيوم انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ” قَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ: بَخْ بَخْ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ: بَخْ بَخْ؟ ” قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِلَّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ: ” فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا “. قَالَ: فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرْنِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ.، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ.هل تلقى الوهن والضعف والخور والعجز عن كاهلها وتنهض من جديد وهي تردد فَذَلِكُمْ الرِّبَاط فَذَلِكُمْ الرِّبَاط.

الشيخ محمود اغبارية

m7modeghbarih

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة