فيروز محاميد: إرحموا أبناءنا من أشباه المعلمين

تاريخ النشر: 06/07/14 | 8:48

لا شيئ يثير حفيظتها و غضبها إلا الإصرارُ على ارتكاب الخطأ. هي تعرف، وتعترف، بأن الإنسان خطّاء، وربما يقترف الأهوال في غمرة تفاعله مع أمر ما، و لكنّ ما لا تغفره استاذتنا فيروز، هو التمادي من البعض في التغريد خارج السرب.
مربية فاضلة تقوم بعملها على أتم وجه، و تنجز مهامها بضمير واعٍ، ونفس مطمئنة تجاه طالباتها. هي من قلائل من يطبقون الآية الكريمة “وقل اعملوا”.
تؤمن بأن المدرس الناجح هو من يعي عمله جيدا، ويؤديه بكل جدارة واقتدار وإخلاص. التحضير المسبق لكل درس تعتبره من أولويات و مقدسات خطوات النجاح، لتمثّل المادة بغية تقديمها للطلبة بكل دراية وتمحيص، وفي أحسن اسلوب، وهذا ما يشد انتباههم للمادة واستيعاب كل دقائقها بكل سهولة ويسر. ترى، فماذا يدور في خلد استاذة بقيمة وقامة فيروز المحاميد، تجاه فئة من البشر- بين عشية و ضحاها- أضحت من منسوبي الهيئة التدريسية وإعداد الأجيال الواعدة؟
أشد ما يزعجها، بل ويقض مضجعها، هو تسلل فئة أو شريحة غير مسئولة من خريجي بعض المؤسسات التعليمية لتكون ضمن السلك التربوي. ولا تخفي قلقها حين يلامس سمعها، بل وتشاهده عيانا، أن بعضاً ممن امتهن مهنة الأنبياء، لا يجيد توصيل المعلومة الصحيحة لطلبته، بل وأكثر من ذلك، هو في أمس الحاجة الى من يأخذ بيده، ليعلي من شأنه أكاديميا تارة، وسلوكيا تارة أخرى. ومما يزيد الأمر سوءاً هو ترهل بعض المؤسسات التربوية- ذات الهدف الربحي البحت- التي ليس من أولوياتها التركيز على المعلم المتمكن والناجح. وماذا بعد؟
فثالثة الأثافي عند الاستاذة فيروز هو اسلوب الحصول على الوظيفة الاكاديمية. فهي تحارب، وبشدة وضراوة، طرائق التعيين دون النظر الى الكفاءة والسلوك أولاً. فالبعض ربما يحصل على مركز ما على حساب شخص آخر أكثر كفاءة منه، وهنا تقع الواقعة. فوضع شخص مكان شخص قد تعقبه الويلات والحسرات، خاصة في مجال التعليم، وهذا قد يعدم جيلا بأكمله، كان يُنظر اليه كمستقبل واعد وأمل بسّام لأمته. كل هذا يهون أمام النظرة الفوقية من هذا الشخص تجاه أقرانه؛ إذ لا يفتأ يثني عطفه، شامخا برأسه للأعالي، كسنبلة جوفاء تتلاعب بها الرياح. وليت الأمر توقف هنا، وما أدراك ما هنا.
فلهذه الفئة الدخيلة على مهنة الأنبياء طريقة لا تدانيها طريقة في التقويم الميداني. ولربما انطبق المثل العربي الأصيل على هذه الحالة تماما:”أحشفاً وسوء كيلة؟”. أفلا يكفي سوء الصنيع ليلحق الخسف والهوان بالطالب من حيث هبوطُ الدرجات السحيق، بحيث يكتشفه من ليس له ناقة ولا جمل في مهنة التدريس؟ أيعقل أن يحصل الطالب في بقية المواد على درجات مشرفة، وهنا يذوق الأمرّين، زحفا، ليصل الى حافة النهاية الصغرى من التقويم؟ فهل هذا سلاح الفاشلين لجعل الكرة في ميدان آخر، بحجة أن لا مستوى للطلبة، ولا فائدة من تدريسهم، وأن مستوى مدرسيهم في الذرى؟
ومن اللافت أن المربية الفاضلة فيروز تنادي بتفعيل بعض الأمور التي تثري المجال الأكاديمي، وتسمو به لمستويات تراها ضرورية. فهي تتساءل عن دور الإدارة المدرسية في متابعة جادة لأداء الهيئة التدريسية، وذلك بالتعاون مع أسَر الطلبة تحت مسمى”مجالس الآباء”، بغية الاستماع للطرف الآخر وإشراكه في ابداء رأي بناء مدارُه أداء المدرسين؛ سلوكا وعملا. فالمدرسة ليست فوق المجتمع ولا اسفل منه، إنما هي منه وفي صلبه، ولها أكبر الدور في النهضة به. أما على مستوى وزارة التربية والتعليم، فلها وجهة نظر اخرى.
لا تفتأ تتساءل الاستاذة فيروز عن إمكانية عقد الوزارة اختبارات قدرات لمخرجات الكليات التربوية ممن يودون ممارسة مهنة التدريس للوقوف على درجة كفاءتهم. وتخلص استاذتنا الى ان عقد ورش عمل و إجراء مقابلات شخصية للمدرسين المستجدين يأتي بثمار طيبة لكلا الفريقين: الوزارة نفسها، والإدارة والطلبة على قدم المساواة. عندها تنحصر مهنة إعداد الأجيال في يد اناس أكفاء، يشار اليهم بالبنان- علما وسلوكا. في بعض من دول العالم التي تقدّر المدرس ودوره التنويري في المجتمع، فانها لا تسمح لمن هب ودب بولوج ميدان التعليم يعيث به فسادا وخرابا؛ بل تتم تصفية المتقدمين لهذه المهنة، ومنحهم شهادات أشبه بتصاريح لمزاولة عملهم. أما أن يترك الحبل على الغارب، فهذا ما لا يرتضيه مسئول يحترم مهنة اعداد أجيال واعدة واعية.
لقد درجت العادة- و ليست الحكمة- في بلادنا على أن يقوم بتدريس الصفوف المتقدمة- المرحلة الثانوية مثلا- أفضل المدرسين من حيث الخبرة والتحصيل الأكاديمي. هذه العادة بحاجة للتأمل مليا. فماذا لو تم اجراء تبديل في هذا الأمر ليصبح من يقوم على أمر المرحلة الدنيا هم خيرة المدرسين وصفوة الصفوة من أصحاب الدرجات العليا وأصحاب أفضل التقارير السنوية؟ ألا يعتبر ذلك مجديا كونه يمنح النشء الصغير فرصة نهل العلم والمعرفة من أصحاب الخبرة المشهود لهم بكل خير، مع ضرورة منحهم- المدرسون- حوافز مادية ومعنوية مجزية؟
تقدّم الأمم لا يقوم إلا بتقدم ابنائها وتميزهم في ميدان المعرفة. وهذه صيحة مدوّية من انسانة يهمها النشء و يهمها مستقبله، هي صيحة بمثابة دق ناقوس الخطر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مسيرة التعليم في البلاد، فهولاء هم ابناؤنا و ابناء ذوي الأمر وأصحاب القرار، وهم إخواننا وإخوانهم وأبناء الوطن الواحد، فالرحمة بهم والشفقة عليهم، فهم في أمس الحاجة الى التريث أثناء تعيين المربين- ورثة الأنبياء. فهل نشاطر الاستاذة فيروز همها المهني والوطني، أم نجعلها تتمثل بيت الشعر القائل:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا / ليوم كريهة وسداد ثغر؟

يونس عودة

unnamed7

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة