في ذكراه الـ (35): راشد حسين الشاعر المقاتل ..!

تاريخ النشر: 10/02/12 | 9:49

لا يمكن لأي باحث او ناقد ان يتحدث عن راشد حسين كشاعر دون ان يتحدث عنه مناضلاً سياسياً ، وبرأيي لا فصل بين راشد الشاعر وراشد المناضل، لا سيما ان حياته القصيرة لم تعرف الفصل بين الفعل والممارسة.

يعد راشد حسين من شعراء المقاومة الفلسطينية ، وقد شكل الى جانب توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران وشكيب جهشان وحنا ابو حنا الطليعة الشعرية والثقافية في الداخل الفلسطيني.

رأى راشد حسين نور الحياة سنة 1936في قرية مصمص وفيها تلقى دراسته في المرحلة الابتدائية ثم انتقل الى المدرسة الثانوية في الناصرة حيث تخرج منها بنجاح باهر ، بعدها عمل مدرساً في ام الفحم ومصمص ومشيرفه وغرس في نفوس وقلوب طلابه حب الارض والوطن والشعب المقهور الكادح.

انجذب راشد حسين الى الصحافة والادب وخص هذين اللونيين من الانتاج الفكري بمعظم جهوده ، وقد أنشأ وحرر وراسل عشرات الصحف والمجلات الصادرة في تلك الفترة مثل ” اليوم ، المجتمع، الهدف، المرصاد، الفجر، المصور، الاتحاد، الجديد” ، وعني بالترجمة وعرّب الكثير من القصائد العبرية منه اشعار حاييم نحمان بياليك ، وصدر له 3 مجموعات شعرية هي “مع الفجر، صواريخ، انا الارض لا تحرميني المطر”.

في سنة 1967 هاجر راشد الى الولايات المتحدة ، وهناك عمل في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، ثم سافر الى سوريا عام 1971للمشاركة في تأسيس وانشاء مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، ثم اشتغل في القسم العبري بالاذاعة السورية . وفي سنة 1973عاد الى نيويورك وعمل مراسلاً لوكالة الانباء الفلسطينية “وفا” . وفي شباط 1977 احترق في غرفته بنيويورك ونقل جثمانه ليسجى في مسقط رأسه مصمص . وقد اقيم له حفل تأبيني كبير  شاركت فيه جموع غفيرة من ابناء شعبنا من الداخل والضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان ، ويومها هتف شقيقه الشاعر والمفكر الكنعاني احمد حسين قائلا:

جددت عهدك والعهود وفاء        انا على درب الكفاح سواء

نم في ثراك فلست اول عاشق     قتلته اعين ارضه النجلاء

لقد كتبت دراسات ومقالات وابحاث عديدة تناولت حياة راشد حسين وخصائص شعره ، واجمع الباحثون والدارسون على وضوح رؤيته وبساطة شعره والتزامه بالهموم اليومية والقضايا الوطنية والطبقية لشعبنا الفلسطيني المشرد الظامئ لنور الحرية . ومن بين الاراء التي قرأتها في شعر راشد ما قاله الناقد والروائي اللبناني الياس خوري  في دراسته “الموت الجانبي” التي ضمها كتابه النقدي “الذاكرة المفقودة”..ومما قاله:” نقرأ راشد حسين حين يموت او دون ان يموت ونقول : هذه هي بدايات الشعر الفلسطيني ، نبحث عن صوت درويش والقاسم داخل لغة اول شعراء الارض المحتلة . نكتشف اشياء قليلة . فنحن نعلم ان تاريخ الشعر ليس مستقيماً ونعلم ان راشد حسين لم يترك بصماته على احد. فهو شاعر متواضع، لم يكن من المستحيل تجاوزه حين يتم تجاوز المرحلة. لا نجد في شعره جذور الشجرة الفلسطينية . فهو لم يكن صاحب وجهة شعرية حتى يترك بصماته على الشعر الفلسطيني ، رغم ان جميع الشعراء الفلسطينيين فتنوا كغيرهم من ابناء الارض المحتلة بصوت هذا الشاعر، ربما قلدوه. ورغم انهم في لحظة حزن قد يقولون ان بصماته لا تزال على كلماتهم . لكن بصمات راشد حسين ليست في الواقع على كلمات احد غيره . فهو شاعر متواضع، لا نقرأه كي نقرأ تطور الشعر العربي في فلسطين ولا نقرأه فقط لانه مات فالموت ليس جوازاً حقيقياً الى القراءة نقراه كي ندرس مرحلة كاملة . مرحلة المنفى الذي بدون امل . مرحلة البحث عن الامل . راشد حسين هو لحظة انتقالية في الوعي الشعري واللحظة الانتقالية هي لحظة مليئة بالالم .ويزداد المها لان الذي يعيشها لا يعيها ضرورة فوعي لحظة الانتقال هو جزء من عملية الانتقال نفسها. وهو بالتالي مليء بآلام الولادة. ولكن غالباً ما تكون لحظات الانتقال مخبأة داخل احتمالات الصراع او يكون الوعي عاجزاً ضمن شروطه الموضوعية عن اكتشافها . هنا يحصل التمزق الهائل وتستحيل الاختيارات الحقيقية “.

جاءت ابداعات راشد حسين الشعرية تعبيراً عن آمال الحرية وتجسيداً لمشاعر العزة القومية والفخر الانساني ، وانعكست في نتاجه الافكار التقدمية والثورية والاهداف والآمال الوطنية لشعبه الفلسطيني ولكل الشعوب المسحوقة والمضطهدة المناضلة في سبيل تحررها واستقلالها ، ووقف بشدة ضد صنوف الظلم والعذاب والاستبداد والقهر الطبقي، وكانت الحرية حلمه ، فنادى بها وانشد لها وكافح من اجلها ، ومن جميل قصائده في الحرية قصيدة “من آسيا أنا” التي تتميز بتعابيرها والعميقة وكلماتها الصادقة:

من آسيا انا من بلاد الحب والدم والاماني

بلد الرجال الثائرين على مماطلة الزمان

بلد اللظى ومناجم الثوارلا بلد الغواني

بلد الذين تمردوا في وجه رب الصولجان

من آسيا انا من تراب النار من لهب الحنان

وراشد شغف بالجزائر ، بلد المليون شهيد ، وغنى للمناضلتين جميلة بوحيرد وجميلة بوباشا وهتف مع الثوار الابطال ، الذين استطاعوا تحرير الارض الجزائرية من ربقة الاحتلال الفرنسي ، ولنستمع اليه يقول في انشودة “تحدي” التي تسجل للبطولة الجماعية المنتصرة ابداً على الظالمين والمحتلين:

يا شانق النار ما اغباك من بطل     هل يشنق النار حبل عظمة وبر

مهما شنقتم اعدنا بعث ميتنا           بطلقة ملاك   الموت      تاتمر

صوغوا النواقيس والاجراس قاط     به مدافعاً ان عرا فولاذكم خدر

وكونوا من عظام الميت ميتكم       بنادقاً ان تنأى عنكم       الشجر

وجهزوا من دم الفتيان ميتكم       زيتاً لها ان علاها بالصدأ المطر

مهما صنعتم من النيران نخمدها   الم تروا اننا من لفحها       سمر

ولو قضيتم على الثوار كلهم       تمرد الشيخ والعكاز       والحجر

عودوا سئمنا حضارات مزيفة     مجددة بزي الماخور         تأتزر

فقد حلفنا واعلنا ارادتنا              ان الشعوب اذا هبت      ستنتصر

حليفهم الصخر ان لم يفهم البشر   ان الجزائر في تاريخكم       سفر

عاش راشد حسين المأساة الفلسطينية بكل خلجة شعور من خلجات قلبه، وقد تناول في شعره ما اصاب جماهيرنا العربية في هذا الوطن من مآس ومجازر كمجزرة كفر قاسم ومصرع اطفال صندله ومقتل ابن سخنين وقوانين الضرائب وقيود التصاريح، وابدع في توصيف مقتل اطفال صندلة في قصيدته “الغلة الحمراء” التي يقول فيها:

مرج ابن عامر هل لديك سنابل       ام فيك من زرع الحروب قنابل؟

ام حينما عز النبات صنعت من        لحم الطفولة غلة         تتمايل؟

فاذا الصغار الابرياء سنابل           واذا القنابل للحصاد        مناجل

يا مرج قل لي هل ترابك سامع    ام انت عن صوت الملامة ذاهل

وفي نهاية القصيدة يتجسد ايمانه بالانسان الذي يوزع الحب بين الناس وينشر المثل والمبادئ النقية في هذا المجتمع المليء بامراض الحقد والكراهية والبغضاء والجشع الاستغلالي.. فيقول:

آمن بالانسان يبني مصنعاً      للحب لا للمدافع تتقاتل

آمن بالانسان هب محاولاً      لاخوة لا للخصام يجادل

آمنت لكن لكل يوم دافع        للكفر بالانسان حين يقاتل

يا اخوتي حضن الامومة بيتكم   واليوم احضان التراب منازل

وحين اقيمت “الجبهة العربية” التي عرفت فيما بعد بـ “الجبهة الشعبية” كتب راشد قصيدة حيى فيها هذه الجبهة ، التي اقيمت للدفاع عن الاراضي العربية واستمدت الهمم في المعارك النضالية دفاعاً عن الوجود والبقاء والهوية والكرامة وانسانية الانسان الفلسطيني، ودعا فيها كل القوى والفعاليات السياسية التي انطوت تحت لواء الجبهة الحفاظ على الوحدة الوطنية ، قدس اقداسنا وسلاحنا البتار في معارك الشرف والكرامة والتطور الانساني والحضاري:

تجمعوا شهباً شرقية اللهب      ليعلنوا انهم من امة العرب

تاريخ شعب سقى للمجد خمرته     مسكوبة في انابيب الذهب

رهط من الشعب احرار كأنهم     كانوا  على البغي اعصار من الغضب

جلادهم جن لا عقل ولا ادب     حتى بدا يراقص التفكير كالدبب

“اثبت وجودك” يلقيها لواحدكم     فيضحك العزم في العينيين كاللهب

وبعالج راشد حسين في قصيدة “الجياد” الاوضاع والمشاكل الاجتماعية  التي يعاني منها مجتمعنا العربي ، هذا المجتمع الذي يفرح ويغتبط عند مجيء المولود الذكر، فيقول:

في بلاد الآخرين تقلق الناس النهاية

في قرانا تقلق الناس البداية

همهم ان تلد الزوجة مولوداً ذكر

ليقولوا انها بنت اصيل مفتخر

وضعت طفلاً ذكر

وجهه وجه القمر

ليقولوا “زوجها فحل عظيم ” رجل

او “جواد عربي” سلبق لا يخذل

ابنه البكر ذكر

بعد هذا ليصير ابنهم راعي ذباب

وليكن دودة ارض.. كل ما فيها تراب

وليكن ابكم اعمى وليكن يوم خراب

وليمت والده ولتمت والدته

ولتمت من فرح قابلته

فهو مولود ذكر

وراشد المقاتل بالكلمة حوصر وطورد واعتقل مراراً ولم يستسلم او يتراجع بل واصل النضال مع كل القوى الخيرة والنيرة من ابناء شعبنا لاجل اطلاع وانبثاق الفجر :

قالت اخاف عليك السجن .. قلت لها

                من اجل شعبي ظلام السجن يلتحف

لو يقصرون الذي في السجن من غرف

                على اللصوص لهدت نفسها الغرف

لكن لها امل ان يستضاف بها

                  حر فيعبق في انحائها الشرف

ويبدي راشد حسين موقفه الطبقي المنحاز للعمال والكادحين والفقراء في قصيدته “قصة اول أيار” التي تصور ثورة عمال شيكاغو ضد الظلم والاستغلال ومن اجل ظروف افضل واحسن:

ثاروا فثار الحق .. فهو في ايديهم

               ومشوا محيطاً موجه يتدفق

ومن الظلام المارد انبعثت يد

               راحت على باب التحرر تطرق

حمراء دامية العروق تحيطها

              من كل قلب شعة وتألق

فالثائرون زنودهم دموية

              فيهن من سفر يروق تصعق

وفي وصفه لحياة الفلاحين البسيطة في “ثورة فلاح” يغمره الحنان والحب والعاطفة:

انا زارع الذهب النضير سنابلا

              عطرية سحرية الانواع

عمدت بالعرق الطهر حبوبها

            وكسوتهن من المنى بشعاع

انا ثائر ولسوف ابقى ثائراً

            حتى تزول شراسة الاقطاع

اخيراً، الحديث عن راشد حسين يطول، وانني اكتفي بهذا القدر ، مع التأكيد مجدداً على شاعرية هذا المبدع الفلسطيني ، الذي ناضل مع الكادحين ،وهتف مع الثائرين، ورافق المشردين زحفهم نحو سواحل حيفا ورمال يافا وعكا، وشارك المقهورين همومهم واحلامهم في العيش الحر والكريم ، وهناك ضرورة واهمية لدراسة تراثه الادبي والشعري الملتزم وتعميقه بين الاجيال الصاعدة.

تعليق واحد

  1. أخي الكريم الباحث شاكر فريد
    أحيّيك من القلب على عطائك الجمّ لقرّاء الكلمة العربيّة الهادفة،
    واليوم جاءت مقالتك لتمنح الشاعر راشد حسين ما يستحقّه من
    احتفاء وتكريم على إبداعه المميّز.
    أنا ،شخصيًّا، كنتُ ولا زلتُ من محبّي شعر راشد الموسيقيّ الإيقاعيّ،
    والملتزم بقضايا شعبه وأمّته والإنسانيّة قاطبةً!
    وكم يحلو لي أن أردّد بصوت جهوريّ عال أبيات قصائده من ديوان صواريخ،
    وأخصّ بالذكر القصائد التالية:
    “من لاجئ لأمّه”، “رسالتان” (من جندي فرنسيّ لخطيبته ليزا وردّها عليه)،
    ” الغلّة الحمراء” ومن هذه القصيدة الأخيرة المؤثّرة أتذكّر هذه الأبيات الرائعة:
    قالوا القنابل عبقريٌّ صاغها – صدقوا .. ولكن عبقريّ سافلُ
    آمنتُ بالإنسان يبني مصنعاً – للحبِّ .. لا لمَدافعٍ تتقاولُ
    آمنتُ بالإنسان هبَّ مجادلاً لأُخوَّةٍ .. لا للخصام يُجادلُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة