مفتاح لقصيدة: نهر واحد وزورق مختلف، للشاعر المغربي

تاريخ النشر: 25/01/12 | 5:52

مفتاح لقصيدة: نهر واحد وزورق مختلف، للشاعر المغربي سعيد العفاسي بقلم: د. سامي ادريس

مفتاح هذه القصيدة يأتي من نهايتها، ومن دراستنا لتاريخ مدينة فاس المغربية ولمعالمها وأبوابها السبعة وحضارتها العريقة المطعمة بسحر الشرق، فعندها تنفتح أمامنا عوالم من الجمال الرباني التاريخي، ويطل علينا ابن خلدون وابن عربي، والفراهيدي وابن زرع. وذلك حينما يذكر الشاعر رموزاً تاريخية وأعلاماً عاشوا في المغرب العربي، وخلفوا لنا موسوعاتهم الخالدة كمقدمة ابن خلدون والفتوحات المكية، ويعبر عن انتمائه الأصيل الى مدينة فاس المغربية التاريخية التي أُنشئت في عهد دولة الأدارسة عام مائة وثلاثة وسبعين، وقد أنشئت هذه المدينة على نهر فاس، ويبدو أنه هو ما ذكر في عنوان القصيدة، ومر من فاس كثير من علمائنا الذين جاء ذكرهم في القصيدة.

والشاعر يعبر عن شوقه التاريخي لمرابع فاس، ويذكر في القصيدة بعض ابوابها السبعة ،حيث يقول:

تكونين نبضي الذي يقرع كل الابواب

من ” عجيسة” أو من باب “الفتوح” تدخل

أو من باب “الجنود” أو من باب ” السمارين

ويعرض الشاعر الى الأندلس وقلبها الكليم، مذكرأ ايانا بالعبرة التاريخية موازناً بين ماضينا العريق وحضارتنا الغراء وبين واقعنا الحديث، والشاعر يتمنى في نهاية قصيدته أن يعود لنا مجدنا التليد فنحن المارون في الزورق الحاضر المختلف عن زورق الماضي، ولكن النهر نهر الحضارة ودين الأسلام واحد لن يموت وإنا له لحافظون:

يقول الشاعر في قصيدته المركبة والمثيرة، ذاكراً مرور الفراهيدي الخليل بن احمد صاحب علم العروض ومعجم العين، وابن ابي زرع المؤرخ المغربي صاحب ” روض القرطاس”:

من هنا مر الفراهيدي

وابن زرع كان هنا

وابن خلدون وابن عربي

والشعراء والغاوون

مروا كل الى مبتغاه

ودقوا نواقيس الأندلس بالقرويين

يا قلبها الكليم

اغسل جراحك بماء سقاية “الياسمين”

وتعلم كيف تلثم من شفاه التاريخ

شهدَ الوجود

ثم إن القصيدة تدور في فلك الرموز الدينية، وتوظفها توظيفاً عميق الأبعاد: فجملة الأمر الديني” اخلع نعليك ” تتردد في القصيدة أربع مرات. ويكاد الشاعر يقتبس من سورة قرآنية هي سورة النجم التي تصوّر قصة معراج الرسول(ص) أجمل تصوير،وذلك في قوله:

أنت قاب قوسين أو أدنى

من شهوة الهبوط

إلى ” الطالعتين”

وسترى السر وما أخفى

والتفسير القرآني للآية يعني أن جبريل كان قريباً جداً من النبي حيث أوحى له بالقرآن، وشاعرنا المبدع يكاد يستعمل نفس كلمات الآية بتغيير الضمير أنتَ . وعند رسولنا الصعود والمعراج ولكن في القصيدة ” شهوة الهبوط”

ولكن الهبوط الى ” الطالعتين”، فعندها سترى السر وما أخفى، وفي هذا تحوير للآية القرآنية: ”

كذلك تتكرر كلمة ” نبطي” أكثر من مرة

نبطي أنا من نهد فاس

والقصيدة مركبة البناء بحيث يصعب تحليلها، فيها شوق واستحضار للماضي الزاهر في العصر الأندلسي، والحضارة التي كان عمدتها الاسلام، معرضاً للوثنية المعاصرة.

تسألني بحكمة الصدأ الموغل في الماء:

من أجرى التجارب على فئران مراهقة

لإطالة أعمار الوثنية المعاصرة.

وتحتاج منا هذه القصيدة الى وقفة تحليلية أكثر عمقاً، إلاّ أنني كما تعرفون أمكن القارئ من مفاتيح للقصيدة وأفتح أمامه أبواباً من البحث، فمن أراد أن يبحر فالبحر واسع خضم.

وأشكر الشاعر على أن أمتعني بمحاولة تحليل قصيدته المركبة. وأرجو أن اسمع رأيه.

‫11 تعليقات

  1. تحياتي د. سامي إدريس
    قرأت واستمتعت
    رؤية نقدية واضحة
    ومخزون ثقافي رائع يشرع القصيدة على مصراعيها
    نحتاج لقدراتك دائما
    تقبل مني فائق الاحترام

  2. كل التحيات لك د. سامي على هذا النقد والنقيح الرائع لك كل الشكر والتقدير

  3. استاذي الفاضل..حياك الباري وكحل دروبك بالخير والعطاء الكريم.

    لك منا جزيل الشكر والثناء على هذا التحليل للقصيدة وعلى المعلومات القيمة

    للرموز التاريخية في مدينة فاس المغربية..

    استاذي العزيز..انك قبطان العربية بمراكبنا وشراعها المتين…لك في قلوبنا كل المحبة

    والاحترام..بوركت وقدما الى الامام.

    نحن هنا اخوان ننشد الود الجميل..نتطلع لتحقيق اهداف نبيلة بمجتمعنا العربي.

    وعلى راسها التنمية الثقافية..تنمية الابداع والتالق الادبي الثقافي..

    نحن نقدس العطاء الخير واهله الكرام..نسال الله ان يكرم اهل المعروف كل الخيرات..

    نحن مع النقد البناء الموضوعي لنجاح ونجاع الاموار بصورة كاملة ومتكاملة..

    جدير بنا ان نتالق باداء ادوارنا بمسرح الحياة لنخلق حياة فاضلة..

    استاذي الكريم..اتحفنا بقصائدك..نورنا بتحليلاتك..بارك الله لاتاملك الذهبية..وادامك

    علم وعميد اللغة واستاذها العريق..

    اتمنى لك دوام العطاء الخالد..مزيدا من التالق..والى الامام..

  4. الأخ الشاعر الكريم أحمد فوزي أبو بكر، أشكرك على كلماتك الواقعية المشرفة

  5. الشاعر أبا نزار لك في القلب محل منير
    والأخ جمال أبو فنة السياسي الاجتماعي والأديب الذي يتابع كل ما ينشر في هذا الموقع، ويعلق عليه بلطف وقد تعلمتُ منه جملة جميلة:
    نحن هنا اخوان ننشد الود الجميل..نتطلع لتحقيق اهداف نبيلة بمجتمعنا العربي.
    وأضيف عليها ( ولا مكان بيننا لمن يريد تعكير صفو هذه العلاقة الجميلة، وتخريب هذه المسيرة التي أخذت تؤتي أكلها باستقطاب الشعراء الجدد )

  6. د. سامي الشّاعِر والناقد العظيم، المُتربّع على عرش الإبداع والجَمال لكَ تحيّة كلّها إجلال وتقدير وإعجاب بهمساتكَ الخلابة وحروفكَ السّاحرة

  7. أحبُّ حضورك، وأبحث عن تعليقاتك الجميلة، ولكن صلي على النبي فهذا كثير.

  8. د. سامي إدريس
    كلّ يوم يأتي منك جديدٌ ممتع!
    لك خالص المودّة والتقدير.

  9. حضرة الاستاذ ادريس سامي
    وأنا أقرأ تحليلك لقصيدة ” نهر واحد وزورق مختلف” تذكرت عبوري في كل الأمكنة التي كتبت عنها وهي تردد شكرها العميق لك ، رجع الصدى بلسان واحد يلهج بالمحبة العارمة وهي تجتلل كل الدروب والابواب بأزرق شفيف، شكرا لقاءتك الوامقة وحرصك على اقتفاء أثر القصيدة من ابواب فاس المفتوحة محبة وعراقة، شكرا لأنك أعطيت من وقتك تلك اللحظات الاشراقية التي منت عليك بقراءة ثانية أخرجتني من القصيدة لكي أتجلى فيك صدقا، شكرا لأنك توجدت القصيدة وجعلتها في متناول القراء ، الذين تفاعلو مع الزورق المختلف وابحرو في النهر الواحد
    عزيزي الدكتور سامي : ولكي نفي الأمور حقها دعني اشكر باسمك المشرف على موقع بقجة الفنان الرقيق عبد الرؤوف وكل الذين ساهموا في انجاح الأمسية الفنية الشعرية في عين الغربال والشكر موصول لعين الغربال التي حركت الغربال يمينا وشمالا وكانت الحصيلة هذه النخبة العالمة والعارفة ببواطن الشعر والفن شكر لفنانة رانية عقل، وشكرا للجمهور الذي نمق الأمسية بحضوره البهي واشراقاته الكبيرة،
    محبكم جميعا
    سعيد العفاسي / فاس ،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة