سفر الحرف بين النهد وبين السيف للشاعر نسيم عاطف الأسدي

تاريخ النشر: 01/06/14 | 13:31

يهتمّ النقد الحديث وللدقة الحداثيّ بالنصوص المرافقة للنصّ الأصليّ، ويعتبر العنوان بشطرَيْه الخطّيّ والشكليّ أبرز هذه النصوص المرافقة، وذلك لأنّ الكاتب لا يضع عنوان منجزه اعتباطًا أو بالمصادفة، ناهيك عن مكانه في أعلى فضاء الغلاف عادة، ممّا يدلّ على أهمّيّته، فالعنوان هو أوّل نقد يمارسه المؤلف نفسه للكتاب بمُجمله، وهو آخر لقاء له معه قبل تحريره من ملكيّته الخاصّة، وفي الوقت نفسه هو أوّل لقاء مع القارئ يثير انطباعًا عامًّا ويستفزّ قدرات القارئ، فالعنوان هو عتبة النصّ الأولى ومفتاحه الدلاليّ، وكأنّه بمضمونه ومكانه عبارة عن لامبة خافتة أو قويّة الضوء، ولكنّها تشير تلميحًا إلى الحقل الدلاليّ للمضمون العامّ للكتاب وليس الى التفاصيل.
عنوان الديوان هو: (سفر الحرف بين النهد وبين السيف)، فالكلمات أو القصائد تتحرّك كبندول الساعة بين النهد وهو الدال ومدلوله الأنثى، والسيف وهو الدال ودلالته المذكر بتشبيه مادّيّ واضح. وبدون جهد فالعنوان يوحي بمضمون الديوان وهو الغزل اللاعذريّ والحبّ الحسّيّ الشبقيّ، وبالإمكان ملاحظة التأثّر المباشر بشعر نزار قبّاني. هذا بالنسبة للعنوان الخطّيّ، وأمّا الشطر الثاني من العنوان وهو العنوان الشكليّ الفنّيّ، فكان عبارة عن لوحة فنّيّة من نصف وجه للفتاة المعشوقة بخلفيّة حالمة، وفيها تتوحّد عناصر غير البشريّة لتحلّ محلّ عناصر الوجه البشريّ في فنية رائعة، ولها دلالات يضيق الوقت عن تحليلها حاليًّا، فالأنف فراشة والفم وردة والعين ورقة وردة حالمة غامضة، ويؤطّرها غصن ورد. هذه الدلالات تهمس لنا بأنّ قصائد الديوان ناهيك عن مضمونها الغزليّ العامّ، ستتميّز بالغنائيّة والدفء العاطفيّ والحلم الشفّاف. ولفت انتباهي اسم الشاعر: نسيم عاطف أسدي، ويا لروعة هذا التوجّه السيميائيّ الحديث بتفاصيله المتجدّدة:
فالاسم نسيم دلالة الشعر المنعش والندي والدافئ والجمال والخيال. والاسم: عاطف دلالة الشعر الطافح محبّة وعطفًا وحنُوًّا. والاسم أسدي: دلالة القوّة في بناء القصيدة نتيجة التمكّن اللغويّ والبلاغيّ والعروضيّ وباقي العناصر الجماليّة. وقراءة متبصّرة أكثر لسيميائيّة العنوان تقول لي: من الممكن أن يكون لمفردة السيف دلالتان، الأولى كما أشرنا للحبّ الحسّيّ، والثانية للقوّة والشجاعة، والسيف كان وسيبقى من صفات شجاعة العربيّ، وعليه فإنّي أتوقّع أن أقرأ قصائد وطنيّة في الديوان.
بالاعتماد على المقارنة بين اسم الديوان واسم المؤلف، وقفتُ على بعض المميّزات التي أتوقّع أن أجدها في الديوان، وبمزيد من التبصّر انتبهت إلى عنصر التثليث في الاسمين، فاسم الشاعر من ثلاث كلمات، واسم الديوان من ثلاثة وحدات قرائيّة. والتثليث من عناصر الفكر لدى الديانات الأرضيّة والسماويّة، فالديانة الاسلامية ( الدال وهو الله، والدليل وهو القرآن الكريم والمستدلّ به وهو النبيّ وأتباعه من المسلمين المؤمنين). وفي الديانة المسيحيّة (بسم الآب والابن والروح القدس، آمين). وفي الأدب الحديث يُعتبر من عناصر التشويق واستفزاز ثقافة القارئ، وعليه أتوقّع أن أجد عنصر التثليث في بناء أشعار الديوان. بعد قراءتي لنصوص قصائد الديوان، من الممكن أن أقول وبكلّ ثقة، لقد قرأت ديوان أكثره شعر غزليّ غنائيّ مادّيّ حسّيّ الصور، يعكس كذلك بعض القصائد الوطنيّة القويّة والحادّة كالسيف، وكذلك بعض القصائد التي تعالج قضايا اجتماعيّة: كالخيانة الزوجيّة، والزواج بالإكراه وغير المتكافئ. كما وأنّي وجدت عنصر التثليث بوضوح. سأقدم ملاحظاتي بالأسلوب البرقِيّ:
المدرسة النزاريّة: شاعرنا ما زال متأثّرًا ببعض صور نزار قبّاني، والتقليد للنماذج الكبيرة حقّا ليس مأخذا، وهكذا بدأ جميع الكبار، وعلى الشاعر أن يبدأ بالتحرّر من سجن القصيدة القبّانيّة نحو الاستقلاليّة.
– موقف الشاعر نرجسيّ وذكوريّ، وليس حضاريًّا يرى بالمرأة عنصرَ مُشارَكةٍ وبناءٍ وله استقلاليّته. (كلّ النساء وتنحني لشبابي ص13… أتركتِ بحرًا موجُه لا ينتهي ص34… هذه تناديني وتلك تودّني، ولصدرها أخرى تشدّ وثاقي ص58… لو أدفعُ العمر لهم ثمنا وأشتريكِ ص11.و… )
جمال في التعبير وروعة في الصورة، كثيرة هي التراكيب اللغويّة والصور الشعريّة التي أعجبتني، ومنها: (أسرق الشمس من السما وأطويها كتابا من حرير ص11… أجمع في سلال الورد أشلاء حلمي ص23… أرسلت سهم هواك ورديّ الشذى ص28… وأنا الزهور ملأت عمرك بالشذى ص58.. فوقي تنفتح الأحلام ويسافر لحن البرقوق ص60.. و… ).
– التفاؤل صفة أساسيّة في قصائده وخاصّة الوطنيّة: (يا شاعري ص67. ما بعد الانتصار ص72. الله أكبر يا مصر ص75).
التناص فالظاهرة قديمة ولكن التقعيد والقوننة حديثة، وهي تعكس ثقافة كل من الشاعر والقارئ، نجد الكثير من التناص مع شعر نزار قبّاني، ومع الأساطير عشتار ص 10.. وتناصّ مع قصّة النبيّة الكذابة سجاح ومسيلمة الكذاب، وكيفيّة إيمانها به ودخولها في الائتلاف معه، طلبت الوصل في وقت عصيب فكوني للذي تبغين كوني. ص10).
التثليث: وهو من عناصر التشويق والاستفزاز الثقافيّ والفكريّ، استفاد منه الشاعر كثيرًا: (الآن أخرج ويداك والكلام والنهد ص14.. دمي وريقي وكحولي ص15… خبز وماء وهواء ص15… يا حيرتي وتألمي وتوجّعي ص20… فيه الخيبة والحسرة والسهام ص23… وتألمي وتشققي وتكسري ص34… الماء والهواء والتراب ص50.. أن نجتمع ونشرب ونأكل ص50… بالكحل والبخور والحناء ص67 و… ).
تراسل الحواسّ، وهي من عناصر الجمال في القصيدة الحديثة، لم يستفِد منها الشاعر كثيرًا، ومن أمثلتها ( يهبُّ الشوق من عينيك برقا.. ويسطع جسمك الحرّاق نارا.. وأسمع ثورة الشيطان تحيا. ص9. تراسلت الحواسّ في الصورة من حاسّة البصر إلى الذوق واللمس وانتهت بالسمع).
وأخيرًا ..لقد نجحت يا نسيم في ديوانك هذا لسبب بسيط، أنّك تجاوزت فيه ديوانيْكَ السابقيْن بنسبة مقبولة، وهذا يكفيني. كما وأنّي أستشرف لك وبثقة كما استشرفت لآخرين، وما خيّبني استشرافي أبدا.. أستشرف لك مستقبلا سيكون لشعرك فيه المكان والمكانة، ولا أقول هذا من باب المجاملة أبدا، ولكن لأنّي أرى وأجد فيك ثالوث الإبداع الأدبيّ وهو: الموهبة والثقافة والتمكّن اللغويّ الجماليّ. أتمنى لك العمر العريض والمديد والعيش السعيد والمجيد، ودوام العطاء المفيد وهذا أكيد أكيد.. أمثالك يعتزّ شعبنا ويفتخر، لأنه بأمثالك تستمرّ راية الشعر الحقيقيّ خفّاقة.

Untitled-1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة