جيل الماكدونلدز وارتباك الهوية القومية
تاريخ النشر: 21/05/14 | 13:37هذا ما أطلقه مختصون وباحثون اسرائيليون في مجال علم الاجتماع على الجيل الثالث للنكبة من أبناء الشعب العربي الفلسطيني بالداخل. حسب ادعائهم فإن قوة الجيل الاول انهكت جراء النكبة وانحصرت في تحصيل لقمة العيش فقط ليتمكن من البقاء، أما الجيل الثاني فعاش الحكم العسكري وناضل من أجل مستوى معيشة أفضل ليس له بل لأبنائه، للجيل الثالث الذي أتى ليعيش مدللاً دون تعب وجهد، ينعم بما حصل عليه أبائه من حقوق، هو جيل شباب اليوم الذي اتسعت أمامه فرص التعليم والعمل وأصبح خاضع لسياسة الأسرلة، مرتبك الهوية القومية وقابل للانخراط في مؤسسات السلطة، ومنها الأمنية حتى.
وفي هذا السياق قال الباحث الإسرائيلي بروفيسور سامي سموحه من جامعة حيفا :”ان المؤسسة الإسرائيلية تعاملت مع الجيل الثالث بمفهوم وأسلوب استراتيجية السيطرة، فإسرائيل لم تخف مما قام به الجيل الاول والثاني بعد النكبة بل خافت مما يقوم به الجيل الثالث بالذات بعد الارتفاع في كثافة العرب السكانية، لذلك ارادت اسرائيل ان تسيطر على كل ما يتعلق بحياة العربي في اسرائيل من نظام التعليم وحتى الحياة الاقتصادية”.
استطاعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ إعلان استقلال دولة الصهاينة من السيطرة على جهاز التعليم العربي في الداخل ومنعت الجيل الثاني بعد النكبة من محاولة نقل وترسيخ الوعي القومي الوطني للجيل الثالث بشكل صحي يتلاءم مع الهوية القومية العربية الصحيحة كما يجري في جل الوطن العربي، كما حاولت السلطات الاسرائيلية منع الجيل الثالث من الحصول على أجوبه لتساؤلاته حول هويته، باستثناء ما تلقنه إياه اسرائيل من خلال جهازها التعليمي وعمليات التدجين، وتعاملت مع كل من حاول الخروج عن الاجماع والسياق الاسرائيلي بقسوة وممارسة سياسة الاقصاء او الطرد من جهاز التعليم.
أحداث اكتوبر 2000 كان نقلة ومنعطفا في تاريخ فلسطينيي الداخل، فقد خرج الجيل الشاب الذي حاولت اسرائيل أسرلته وتشويه هويته القومية عن بكرة أبيه ليعيد الى أذهان الصهاينة أنه جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وأنه جيل يحمل ويتمسك بالثوابت الوطنية ومستعد لتقديم الشهداء فداءً للقضية . في كتاب “جيل منتصب القامة” لبروفسور خوله ابو بكر وداني ربينوفيتش الذي صدر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) عام 2004. يشير المؤلفان الى أن سقف المطالب السياسية والقومية للأقلية الفلسطينية في الداخل قد ارتفع لدى هذا الجيل كما تطورت طرق واساليب نضاله، ويشيران إلى أن هذا الجيل هو نتاج التثقيف السياسي الوطني للجيلين الأول والثاني”.
رد اسرائيل كان واضحاً على هذا الجيل، فبعد ان فرغت من غزه بحصارها وفرغت من مناطق السلطة ومقاومتها من خلال جدار الفصل العنصري وتوطيد العلاقات مع سلطة أوسلو ، حان وقت فلسطينيي الداخل والعمل على جعلهم عرب اسرائيل من خلال سن قوانين عنصريه ضد لم الشمل الفلسطيني، حيث منعت الشباب من الزواج مما أسموه مواطني دولة عدو وكان الهدف من ذلك فصل الداخل الفلسطيني عن الشتات وعملت بجد أكبر على تصديع الهوية القومية من خلال قوانين قديمة جديدة، البعض منها سُن بالسبعينات واستحدثت من جديد مثل الخدمة المدنية ومحاولة زجها كشروط للحصول على حقوق المواطنة ومحاولة فرض التجنيد الطائفي لضرب الوحدة الوطنية والمجتمعية والشعبية، وطبعا من خلال مصادرة ما تبقى من الأرض العربية من خلال قانون براڤر وغيره. كل أساليب القمع تلك تحولت لأحداث ومحطات مواجهة، وفي كل مرة كان الجيل الشاب كما اسلافه يرفع سقف النضال في كل مرة من جديد ليثبت أن هويته القومية ثابتة والعلم والمعرفة والتقدم ما هي إلا وسائل نضال جديدة وإضافية.
تفاجأت اسرائيل من النتاج السلبي والتأثير العكسي لسياساتها- حسب مخططاتها وتفكيرها- وبدأت تروج لها بأشكال مختلفة، لكن ضمن نفس الجوهر والمفهوم ولم تنسى يوما أن صورتها الديموقراطية في العالم مهمة للحفاظ على شرعيتها، لذلك حاولت كل الوقت تسويق مشاريعها على أنها مشاريع تطويرية ومن أجل العرب وليس لضربهم و”جيل الماكدونلدز هو أصلا جيل قادر على المضاهاة، عاقل لكن على الطريقة الإسرائيلية”.
لكن ما وجب إدراكه هو أن سياسات إسرائيل فشلت بالمعنى المطلق لكننا لم نخرج منها دون أضرار واضحة وإن لم تكن واسعة، ويتجلى ذلك باللغة مثلا أو في الهدوء النسبي بين كل قضيه وأخرى، ما يجعل قضايانا وهباتنا ونضالاتنا شبه موسمية، والأهم من ذلك أننا أثرنا نسبيا في كينونة عملنا بمفهوم الشعب الواحد، وباعتقادي ذلك لم يكن نتاج محاولة زجنا الدائمة مع سياسات الأسرلة فقط ، بل لأسباب تتعلق بولادتنا الغير طبيعية كافليه أصلا.
إن محاولات تصديع الهوية مستمرة، ومحاولات سلبنا مشروع الحفاظ على الهوية ستتفاقم أكثر، ومن جهتنا سنبقى جيلاً منتصب القامة، سيكمل درب الآباء والأجداد من الجيل الأول والثاني ونرفع سقف النضال دوما. سنبقى نحاول استعادة حتى من استحوذت عليهم إسرائيل ودجنتهم، وننقح هويتهم ونصقلها من جديد ونعلمهم مفاهيم الشعوب الحرة المناضلة.