قصيدة مروان مخول "سميح القاسم"

تاريخ النشر: 31/12/11 | 4:22

مروان مخول هذا الشّاعر الأب، الذي وقف إلى جانبي أكثر ممّا تمنّيت

سميحُ القاسمْ

من نَبْعةٍ حِسّيّةٍ ولدتكَ أمُّكَ جدولًا

غمر الكتابَ الأبيضَ المرهونَ للتّاريخِ

يُمهلُهُ.. لتُغرِقَهُ

أيا مَن شعرهُ المكتوبُ لي

“دَيَليزةُ” الوطنيِّ للوطنيِّ في الجسد الشّريف.

*

بانت خُطاكَ كأنّها كَرٌّ

إلى حيثُ الفِرارُ من الفِرارِ شجاعةٌ

من شعرِك المضبوطِ عوّدنا مناعتنا

على الإصرارِ؛ صرنا مَرهمًا للجرحِ حتّى لا يُرى

من ثَقبهِ وجهُ النّزيفْ.

*

لا شيءَ يجعلني كميلَ الحظّ أكثرَ من خلايا

أنتَ زارعُها بظهرِيَ يا سُمُوَّ الحسِّ

زوّدني!

فهذا الحَمضُ في شعري وراثيٌّ

يفتّشُ عن أصالتهِ

وعن سببٍ يُسرِّعُ من تدفُّقِهِ

فَتُشبِعُني حماسةُ فكرةٍ أقوى من المحتلِّ

أو ولدٌ أُخلِّفُهُ، ويشكرُني

فيبني الملجأَ الحصريَّ لي دارًا..

وفي إتيانِهِ هذا الوليدِ تُولَّدُ الطّاقاتُ يا

جدَّ السّليلَةِ.. فانتظر؛

لترى نصيرَكَ نصرُهُ فزعُ الفجيعةِ

مِن تعنُّتهِ، يُجابِهُ خوفَهُ ثِقةً على ثقةٍ إلى أن

يستحي منه القتالْ.

*

شللُ القصائدِ في المللْ.

ماذا يكونُ لنا؛

وأنتَ تُهندسُ الألفاظَ قبلَ خروجِها؟

تتأفَّفُ الأشعارُ من لهف الشّعورِ بنا؛

لنا نَفَسٌ خرافيٌّ من الصّرَخاتِ

يكبُرُ، كي يُعزِّرَ صمتَهُ إن جاءهُ في غفلةٍ

غولُ المللْ.

*

سَنَدي.. صديقي رُغم فرق العمرِ

إيّاكَ القلق!

درويشُ ماتَ ولم تمت حيفا الّتي

بقيت تهاتِفُ أهلَها عن سفحِ كرملها

يعوّضُ سفحَه المحروقَ هذا الكرملُ الأزليُّ

إذ تنمو النّباتاتُ،

تأكيدُ الحياةِ على النّجاةِ من الطّغاةِ

فلا تَخَفْ يا مُلهمي عند الحديثِ عن الرّحيلْ

فسَواءُ كنّا.. أم رحلنا

لا فِكاكَ عن الأمل.

*

ها بُحّتي الإثباتُ أنَّ الحزنَ مسألةٌ مؤقّتةٌ

كما الأفراحُ جائزتي وأنتَ معي الأدلَّةُ كلُّها

وأكيدُها أنّي أحبُّكَ رحلةً فيها الخطيئةُ

جاوَزت زَعَلَ النبيِّ بكبوةٍ.. لكن

تُبرَّرُ هذه النّزَواتُ فيكَ ولا تُعاب.

*

أشبعتني يا سُلفَتي سَلفًا وما سأقولُ قيل؛

صُبّي عليَّ تفاؤلًا يا نكسةَ الأسلافِ يُسعفُني

طلوعُ الفجر دَوريًّا

فقد تتأكّدُ الظُّلُماتُ أنَّ الصُّبحَ مرفوعٌ إلى

شمسٍ فِلَسطينيّةٍ قد أشرقت

شرقًا، لِينتحِرَ الغياب.

*

قد تستريحُ الطّيرُ، أحيانًا، ولكنَّ العُلى مُغْرٍ

ليَبلُجَ فرخُ بيضتها انبلاجًا

يستميحُ العُشَّ حينَ يودّعُ الشّجرَّ الخفيضَ بجِنحهِ

ويقولُ للأرضِ الّتي ابتعدت: سأرجِعُ لا مُحالَ

إلى نواحيكِ العفيفةِ مرّةً أخرى.. فلا تبكي

أيا تلك الوحيدةُ من ذهابي! إنّما في البُعدِ

تقتربُ الغريزةُ من حنيني

والإياب.

*

سميحُ القاسمْ!

وطني يعيدُ حياتنا نحو الحياةِ وأنتَ أنتَ

وإن تعبتَ فلن تكِلّْ

من سَيلِكَ الشّعريِّ يولدُ شاعرٌ

يُثني عليكَ وينتهي عَجَلًا يدورُ كأنّهُ

هو أنتَ بالأحرى وبالعدوى أنا منهم؛

أدورُ، أثورُ، لا يومًا أدوخُ ولا أُساوم.

*

سميحُ القاسمْ!

خذْ من نصائِحكَ النّتيجةَ واتَّبعْ ما قلتَهُ جهرًا

تجدْ فوزَ الحقيقةِ ممكنًا أو ممكنٌ

أن نبتني من شُغلِكَ الفنيِّ “ماكِنَةَ” الصّمودِ

على بساطِ الرّيحْ.

*

لا الريحُ تقوى أن تطيّرَنا عن الدّنيا

ولا الماضي بعيدٌ كي يُنسّيَنا الأمامُ وراءهُ

فوراؤنا صارَ الأمامَ كأنّهُ هو مَن يلاحقنا

ونحنُ الحاضِرُ الآتي نهيمُ

وإن تُرى اعتكفَ الصّحيح.

*

نحنُ المكيدَةُ للمصيبةِ كيفما شعرت عواطفُنا

نحسُّ بها

فيا شيخَ القصيدةِ إتّزر أرجوكَ فينا؛

نمتطي فَرَسَ التّحوُّلِ من تعثّرنا

إلى لَهَفٍ يعيدُ جليلَنا قممًا

يُصافحُ سفحُها كفَّ الغيومِ كأنّه يعلو ليسخَرَ

من حضيضِ الغيرِ في السّهلِ الكسيح.

*

لخيبتِنا السكينةُ مسكَنٌ عمّا قليلُ

ولا مناصَ من الحروبِ.. فها بنا نمشي

على ماءِ المعاركِ دونما غرقٍ

ومن حذرٍ

سينتصرُ الضّعيفُ على اللّئيمِ وإن تُرى

نكثَ الكلامُ وُعودَه فسأكتفي بالقلبِ يلفِظُ

نبضَهُ قولًا فصيحْ.

*

سأهدّدُ النّسيانَ بالنّسيانِ

حينَ أنَزِّلُ الجسدَ الجريحَ عن الصّليبِ فلا تخف؛

حُرِقَ الصّليبُ وماتَ صاحبهُ المدمّى مثلنا

لكنّه في قبضتي “المسمارُ” من آثاره حيٌّ

بلا صدأِ الحديدِ عليهِ فليخشَ انتقامي

يا سميحُ عدوُّنا.. ذاك الذي

ما تابَ مُذ غاظَ القيامةَ في انتفاضتنا

على أثر المسيحِ.. أجبْ

على هذا الكلامِ لأقتدي يا صاحبي

دورَ السّميعِ لما تقولُ فأستريحْ.

مروان مخّول

‫4 تعليقات

  1. الف تحية اجلال لك ايها الكاتب مروان مخول على كلماتك الوفية لشاعر وطني مشهور تغنى لحب الوطن والحرية في عالم الإنسانية….وعلى اثره جيل اخر يولد به يتغنى ويترنم ومن مجده الى القمم يسمو وفي قلبه بصيص من خيوط امال الى صحوة جديدة…..
    فيا شيخَ القصيدةِ إتّزر أرجوكَ فينا؛
    نمتطي فَرَسَ التّحوُّلِ من تعثّرنا
    إلى لَهَفٍ يعيدُ جليلَنا قممًا
    يُصافحُ سفحُها كفَّ الغيومِ كأنّه يعلو ليسخَرَ
    من حضيضِ الغيرِ في السّهلِ الكسيح.

    سميحُ القاسمْ!
    وطني يعيدُ حياتنا نحو الحياةِ وأنتَ أنتَ
    وإن تعبتَ فلن تكِلّْ
    من سَيلِكَ الشّعريِّ يولدُ شاعرٌ
    يُثني عليكَ وينتهي عَجَلًا يدورُ كأنّهُ
    هو أنتَ بالأحرى وبالعدوى أنا منهم؛
    أدورُ، أثورُ، لا يومًا أدوخُ ولا أُساوم.

  2. وان رحل الماضي بكل لوعاته ونكباته، بكل مآسيه ونكساته….وان غابت الشمس لسويعات….وان احترق الأخضر ….فلا ضير…فهناك الحياة من جديد وبزوغ نور الحرية ولو بعد حين وان طال فهناك من يكمل المشوار……
    يعوّضُ سفحَه المحروقَ هذا الكرملُ الأزليُّ
    إذ تنمو النّباتاتُ،
    تأكيدُ الحياةِ على النّجاةِ من الطّغاةِ
    فلا تَخَفْ يا مُلهمي عند الحديثِ عن الرّحيلْ
    فسَواءُ كنّا.. أم رحلنا
    لا فِكاكَ عن الأمل.

  3. إمبراطور أسطورة يعانق أمير نبيل في مملكة الشعر الوطني!
    لأبي الوطن سميح القاسم…
    الخائف على التفاحة من ظل السكينة!

    تحية إجلال وإكبار للشاعر الفلسطيني الكبير، شاعر المقاومة سميح القاسم الذي يسكن في فلسطينية كل واحد منا، كل الحب والوفاء لمواطن الشرف القرعاوي الذي مُنح مواطنة شرف قرعاوية في تاريخ 2 أيار عام 2008 على ارض الحوارنة في مراسيم وطقوس حُفرت في عقل الدهر وزرع على ارض كفر قرع زيتونة الثقافة التي تفوح بعبق وفاءك للأرض، ونرويها بحبنا لك بإبريق رامي الرايات وقرعاوي الماء وفلسطيني الروح! يا سياف الكلمات!

    كل الحب والثناء للشاعر المبدع وصاحب اليراع الوطني الصادق الذي خط بيراعه قصيدة حب للكبير سميح القاسم، الشاعر مروان مخول، عبرت عما يدور في قلوبنا نحو هذا الهرم الإنسان بسهام نزفت من قلوبنا ورداً وعوسج وسنديان!! ما أروع كلماتك التي تسكن عرين الصدق يا مروان!.

    لأبي الوطن سميح القاسم…

    لأنك أبدعت في امتطاء
    خيول الشعر الوطني الباسل
    ولأنك حفرت في القلب بسيفك اليراعي
    أيقونة تشع بنبض الوفاء لفلسطين
    لأنك من اخترع أبجدية حب الوطن
    ولأنك حبيب كل من قرأ لك سطرا
    نحبك ونقدرك بعدد حبات
    زيتون فلسطين وحجم آلام وآمال السجين

    اذكر ما حييت الإنسان شاعر العروبة سميح القاسم ابو الوطن يوم 02 مايو 2008 حين زرع زيتونة الثقافة عبق ذكرى منحه مواطنة شرف قرعاوية ومنح كفر قرع الشرف الأكبر بهذا الانجاز التاريخي
    يومها رفض القاسم أن يغسل يديه من تراب الأرض بعد زرع الشجرة
    سلمت يداك يا من أبدعت في تأريخ نكبتنا بأروع الكلام النازف بدم شهداء القضية
    إعلم يقينا بأنك تسكن وجداننا ونرى فيك
    كل ما يراه مُتشرد على ارض وطنه المُغتصب
    ولاجئ في منفى الروح والوطن يا أبا الوطن
    نرى فيك الشموخ والأمل
    نحبك ونشتاق لعناق قصائدك على المسرح
    منذ الأزل وحتى تحقيق الأمل

    هناك حفرت لنا أعظم لوحة دمشقية الحسن والجمال من الفخر والكبرياء ،

    اعترف….
    … أنت من زرع فيّ كل أشجار ذاكرتي وأدغال وأدغال من حبي لنا… لقضيتنا… ومأساة ماساتنا! هناك على مسارح جامعة حيفا!

    نحبك لو تعلم كم.

    وأما أنت يا أخي مروان…
    فلا يسعني إلا أن أقول أنني افخر بأننا استضفناك في عملك الرائع “عاش البلد مات البلد” الذي يتلاشى بكل عظمته أمام صدق مشاعرك التي تعشش في كلمات “سميح القاسم”

    بوركت أناملك ..
    أما أنت أيتها اللغة العربية، فقد خذلتني في خلق كلمات تعبر حق تعبير عن تقديري لأبي الوطن! وتستمر المحاولة!
    لكم مودتي وانحناءة حب واحترام

    مها زحالقة مصالحة
    مديرة قسم الثقافة والتربية اللا منهجية
    مجلس كفر قرع المحلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة